ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ: اليَوْمَ يَئِسَ الكُفَّارُ مِنَ القَضَاءِ عَلَى دِينِ اللهِ، وَمِنْ رُجُوعٍ المُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِهِمْ، لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيكُمْ، إذْ وَفى بِوَعْدِهِ، وَأظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَلاَ تَخُافُوهُمْ فِي مُخَالَفَتِكُمْ إيَّاهُمْ، وَاخشوني أنا، فَأنَا أنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَأجْعَلُكُمْ فَوْقَهُمْ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ.
ثُمَّ يَقُولُ مُخَاطِباً المُؤْمِنِينَ: إنَّهُ أكْمَلَ لَهُمُ اليَوْمَ دِينَهُمُ الإِسْلاَمَ، فَلاَ يَحْتَاجُونَ إلى دِينٍ غَيْرِهِ، وَلاَ إلى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ. وَلَمَّا أَكْمَلَ اللهُ لَهُمْ دِينَهُمْ تَمَّتْ عَلَيهِمْ نِعْمَةُ رَبِّهِمْ، فَلْيَرْضَوْا بِالإِسْلاَمِ دِيناً لَهُمْ، فَإنَّهُ الدِّينُ الذِي أحَبَّهُ اللهُ وَرَضِيَهُ لَهُمْ. فَمَنِ اضْطُرَّ إلى تَنَاوُلِ شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللهُ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ، لِضَرُورَةٍ ألْجَأتْهُ إلى ذَلِكَ، فَلاَ بَأْسَ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ تَنَاوُلُهُ فِي حُدُودِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ، واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لأنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ حَاجَةَ العَبْدِ المُضْطَرِّ، وَافْتِقَارِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُ، وَيَغْفِرُ لَهُ. بِشَرْطِ ألاَّ يَكُونَ تَنَاوُلُهُ المُحَرَّمَ مَيْلاً مِنْهُ إلى مَعْصِيَةِ اللهِ، وَرَغْبَةً في الاعْتِدَاءِ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ).
(وَفِي الحَدِيثِ: " إنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ تُؤْتَى مَعْصِيتُهُ ").
(وَرُوِيَ أَيْضاً: " إنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلُ رُخْصَةَ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ "). (رَوَاهُمَا أَحْمَدُ).
المَخْمَصَةُ - حَالَةُ الجُوعِ الشَّدِيدِ.
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ - غَيْرَ رَاغِبٍ فِي ارْتِكَابِ إِثْمٍ.
الأَزْلاَمُ - سِهَامٌ ثَلاثَةٌ يَسْتَعْمِلُونَها فِي الاسْتِسْقَامِ، وَالاقْتِرَاعِ.