فوائد مهمة تحتاج إلى صرف الهمة
[الأئمة الذين اشتهر عنهم هذا الفن]
الفائدة الأولى: في ذكر الأئمة الذين اشتهر عنهم هذا الفن وهو فن جليل قال عبد الله ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما: لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد - ﷺ -، فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأينا اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده، وكل حرف منه ينادي: أنا رسول الله إليك؛ لتعمل بي وتتعظ بمواعظي.
قال النحاس (١): فهذا يدل على أنهم كانوا يتعلمون الوقوف كما يتعلمون القرآن، حتى قال بعضهم: إن معرفته تُظْهِر مذهب أهل السنة من مذهب المعتزلة، كما لو وقف على قوله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨] فالوقف على «يختار» هو مذهب أهل السنة؛ لنفي اختيار الخلق لاختيار الحق؛ فليس لأحد أن يختار، بل الخيرة لله تعالى، أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه، وقال علي -كرم الله وجهه- في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (٤)﴾ [المزمل: ٤]: الترتيل تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.
وقال ابن الأنباري (٢): من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء؛ إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلَّا بمعرفة الفواصل، فهذا أدل دليل على وجوب تعلمه وتعليمه. وحُكي أن عبد الله بن
(٢) محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري، من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظا للشعر والأخبار، قيل: كان يحفظ ثلاثمائة ألف شاهد في القرآن. أخذ عن أبيه وثعلب وطائفة، وعنه الدارقطني وغيره، ولد في الأنبار (على الفرات)، وتوفي ببغداد، وكان يتردد إلى أولاد الخليفة الراضي بالله، يعلمهم. من كتبه: الزاهر في اللغة، وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، وإيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، الهاءات في كتاب الله عز وجل، والكافي في النحو، وعجائب علوم القرآن، وشرح الألفات، وخلق الإنسان، والأمثال، والأضداد، وأجل كتبه: غريب الحديث، وله: الأمالي (ت٣٢٨ هـ). انظر: تاريخ بغداد (٣/ ١٨١ - ١٨٦)، معجم الأدباء (١٨/ ٣٠٦ - ٣١٣)، الكامل في التاريخ (٨/ ١١٨)، تذكرة الحفاظ (٣/ ٥٧ - ٥٩)، البداية والنهاية (١١/ ١٩٦)، نزهة الألباء (ص: ٣٣٠ - ٣٤٢)، المختصر في أخبار البشر (٢: ٩٢)، طبقات القراء (٢/ ٢٣٠ - ٢٣٢)، الأعلام (٧/ ٢٢٦، ٢٢٧).