إليه الوحوش حتى تؤخذ بأعناقها.
والمراد بقوله: وآتاه الله الملك هو الصوت الحسن قاله السمين، وعلامته أن يكون ما بعده مبتدأ، أو فعلًا مستأنفًا، أو مفعولًا لفعل محذوف نحو: ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾، و ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾، أو كان ما بعده نفيًا، أو أن المكسورة، أو استفهامًا، أو بل، أو ألَا المخففة، أو السين، أو سوف؛ لأنها للوعيد، ويتفاضل في الكفاية نحو: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ صالح. ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ أصلح منه. ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ أصلح منهما، وقد يكون كافيًا على تفسير وإعراب وقراءة، غير كاف على آخر نحو: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ كاف إن جعلت ما نافية. حسن إن جعلتها موصولة، وتأتي أمثلة ذلك مفصلة في محالها.
والحسن: ما يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ إذ كثيرًا ما تكون آية تامة وهي متعلقة بما بعدها؛ ككونها استثناء، والأخرى مستثنى منها؛ إذ ما بعده مع ما قبله كلام واحد من جهة المعنى
-كما تقدم- أو من حيث كونه نعتًا لما قبله، أو بدلًا، أو حالًا، أو توكيدًا، نحو: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ حسن؛ لأنه في نفسه مفيد يحسن الوقف عليه دون الابتداء بما بعده؛ للتعلق اللفظي، وإن رُفِع: ﴿رَبِّ﴾ على إضمار مبتدأ، أو نُصِب على المدح وبه قرئ (١).
وحكى سيبويه: (الحمد لله أهل الحمد) برفع اللام ونصبها فلا يقبح الابتداء به، كأن يكون رأس آية، نحو: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يجوز الوقف عليه؛ لأنه رأس آية، وهو سُنَّة وإن تعلق ما بعده بما قبله؛ لِمَا ثبت متصل الإسناد إلى أم سلمة -رضي الله عنها-: أن النبي - ﷺ - كان إذا قرأ قطَّع قراءته، يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم»، ثم يقف، ثم يقول: «الحمد لله رب العالمين»، ثم يقف، ثم يقول «الرحمن الرحيم»، ثم يقف (٢).
وهذا أصل معتمد في الوقف على رءوس الآي، وإن كان ما بعد كل مرتبطًا بما قبله ارتباطًا معنويًّا، ويجوز الابتداء بما بعده؛ لمجيئه عن النبي - ﷺ -.
وقد يكون الوقف (حسنًا) على قراءة، غير حسن على أخرى، نحو الوقف على: ﴿مُتْرَفِيهَا﴾، فمن قرأ: ﴿أَمْرِنَا﴾ بالقصر والتخفيف (٣)، وهي قراءة العامة من الأمر، أي: أمرناهم بالطاعة فخالفوا، فلا

(١) قرأ أبو جعفر بالرفع في غير المتواتر، وقرأ الكسائي بالنصب في غير المتواتر، وكذا زيد بن علي، وهي قراءة شاذة. انظر هذه القراءة في: الإعراب للنحاس (١/ ١٢١)، الإملاء للعكبري (١/ ٣)، تفسير القرطبي (١/ ١٣٩).
(٢) وقال الدارقطني: إسناده صحيح وكلهم ثقات، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة فأخرجه في صحيحه كما في تفسير ابن كثير: (١/ ١٧)، وكذا صححه النووي في المجموع: (٣/ ٣٣٣)، وأخرجه الطحاوي (١/ ١١٧)، والحاكم أيضًا (١/ ٢٣٢) من طريق حفص بن غياث: ثنا ابن جريج به ولفظه: (كان يصلي في بيتها فيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين.. الخ الفاتحة.
(٣) القراء العشرة سوى يعقوب. انظر هذه القراءة في: إتحاف الفضلاء (ص: ٢٨٢)، البحر المحيط (٦/ ٢٠)، تفسير الطبري (١٥/ ٤٢)، تفسير القرطبي (١٠/ ٢٣٣)، السبعة (ص: ٣٧٩)، النشر (٢/ ٣٠٦).


الصفحة التالية
Icon