يقف على: ﴿مُتْرَفِيهَا﴾، ومن قرأ (١): ﴿أَمْرِنَا﴾ بالمد والتخفيف بمعنى: كثرنا، أو قرأ: ﴿أَمْرِنَا﴾ بالقصر والتشديد (٢)، من الإمارة بمعنى: سلَّطنا حسن الوقف على: ﴿مُتْرَفِيهَا﴾ وهما شاذتان لا تجوز القراءة بهما، وقد يكون الوقف حسنًا، والابتداء قبيحًا، نحو: ﴿يخرجون الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ﴾ الوقف حسن، والابتداء بـ ﴿إِيَّاكُمْ﴾ قبيح لفساد المعنى؛ إذ يصير تحذيرًا عن الإيمان بالله تعالى، ولا يكون الابتداء إلَّا بكلام موفٍّ للمقصود.
والجائز: هو ما يجوز الوقف عليه وتركه، نحو: ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ فإنَّ واو العطف تقتضي عدم الوقف، وتقديم المفعول على الفعل يقتضي الوقف؛ فإن التقدير ويوقنون بالآخرة؛ لأن الوقف عليه يفيد معنى، وعلامته أن يكون فاصلًا بين كلامين من متكلمين، وقد يكون الفصل من متكلم واحد كقوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ الوقف جائز فلما لم يجبه أحد أجاب نفسه بقوله: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾، وكقوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ هنا الوقف، ثم يبتدئ: ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ على أنه منصوب بفعل مقدر؛ لأنَّ اليهود لم يقروا بأن عيسى رسول الله فلو وصلنا ﴿عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾
بـ ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ -لذهب فهم من لا مساس له بالعلم: أنه من تتمة كلام اليهود، فيفهم من ذلك أنهم مقرون أنه رسول الله، وليس الأمر كذلك، وهذا التعليل يرقيه ويقتضي وجوب الوقف على ابن مريم، ويرفعه إلى التام.
والقبيح: وهو ما اشتد تعلقه بما قبله لفظًا ومعنى، ويكون بعضه أقبح من بعض، نحو: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾، ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾؛ فإنه يوهم غير ما أراده الله تعالى؛ فإنه يوهم وصفًا لا يليق بالباري سبحانه وتعالى، ويوهم أن الوعيد بالويل للفريقين، وهو لطائفة مذكورين بعده، ونحو: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ يوهم إباحة ترك الصلاة بالكلية، فإن رجع ووصل الكلام بعضه ببعض غير معتقد لمعناه فلا إثم عليه، وإلَّا أثم مطلقًا وقف أم لا، ومما يوهم الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به، نحو: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى﴾؛ لأن الموتى لا يسمعون، ولا يستجيبون، إنما أخبر الله عنهم أنهم يبعثون، ومنه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا﴾، ونحو: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ﴾،
(٢) وهي قراءة السُدّي وابن عباس وزيد بن علي وعليّ والحسن والباقر ومجاهد ومحمد بن علي وغيرهم، وهي قراءة شاذة. انظر هذه القراءة في: الإملاء للعكبري (٢/ ٤٩)، البحر المحيط (٦/ ٢٠)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢١٤)، الكشاف (٢/ ٤٤٢)، تفسير الرازي (٢٠/ ١٧٧).