مخالف للأئمة الأعلام، وما جزاء من خالفهم إلَّا أن يمحى اسمه من ديوان العقلاء فضلًا عن الفضلاء، وما علمت وجه تكفيره الواقف على قوله: ﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ وهو وقف جائز على أن جواب ﴿لَمَّا﴾ محذوف، وعليه فلا كراهة في الابتداء بقوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾.
قال السمين (١): قال ابن عصفور (٢): يجوز أن يكون الله قد أسند إلى نفسه ذهابًا يليق بجلاله، كما أسند المجيء والإتيان على معنى يليق به تعالى، فلعل تكفيره الواقف لاحظ أن الله لا يوصف بالذهاب ولا بالمجيء، وكذلك لا وجه لتكفيره الواقف على قوله: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ مع أنَ الهمداني والعبادي (٣) قالا: إنه جائز، والكتابة على بقية ما نسب لابن الجزري تطول -أضربنا عنها تخفيفًا.
ويدخل الواقف على الوقوف المنهي عنها في عموم قوله - ﷺ - في حق من لم يعمل بالقرآن: «رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه» كأن يقرأه بالتطريب والتصنع فهذه تخل بالمروءة وتسقط العدالة.
قال التتائي (٤): ومما يردُّ الشهادة التغني بالقرآن. أي: بالألحان التي تفسد نص القرآن ومخارج حروفه بالتطريب وترجيع الصوت، من لحن بالتشديد طرب، وأما الترنم بحسن الصوت فهو حسن؛ فقد ورد أن النبي - ﷺ - سمع صوت عبد الله بن قيس المكنى بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن، فقال: «لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود» (٥).

(١) أحمد بن يوسف بن عبد الدايم الحلبي، أبو العباس، شهاب الدين، المعروف بالسمين: مفسر، عالم بالعربية، والقراءات، شافعي، من أهل حلب، استقر واشتهر في القاهرة، من كتبه: تفسير القرآن، والقول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز، والدر المصون -في إعراب القرآن، وعمدة الحفاظ، في تفسير أشرف الألفاظ -في غريب القرآن، وشرح الشاطبية -في القراءات، قال ابن الجزري: لم يسبق إلى مثله (ت٧٥٦ هـ). انظر: الأعلام للزركلي (١/ ٢٧٤).
(٢) ابن عصفور (٥٩٧ - ٦٦٩ هـ = ١٢٠٠ - ١٢٧١ م) علي بن مؤمن بن محمد، الحضرمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور: حامل لواء العربية بالأندلس في عصره، من كتبه: المقرب -في النحو، والممتع -في التصريف، والمفتاح، والهلال، والمقنع، والسالف والعذار، وشرح الجمل، وشرح المتنبي، وسرقات الشعراء، وشرح الحماسة، ولد بإشبيلية، وتوفي بتونس. انظر: الأعلام للزركلي (٥/ ٢٧).
(٣) العبادي (٣٧٥ - ٤٥٨ هـ = ٩٨٥ - ١٠٦٦ م) محمد بن أحمد بن محمد العبادي الهروي، أبو عاصم: فقيه شافعي، من القضاة، ولد بهراة وتفقه بها وبنيسابور، وتنقل في البلاد، وصنف كتباً، منها: أدب القضاة، والمبوسط، والهادي إلى مذهب العلماء، وطبقات الشافعيين. انظر: الأعلام للزركلي (٥/ ٣١٥).
(٤) التتائي (٠٠٠ - ٩٤٢ هـ = ٠٠٠ - ١٥٣٥ م) محمد بن إبراهيم بن خليل التتائي: فقيه من علماء المالكية، نسبته إلى (تتا) من قرى المنوفية بمصر، نعته الغزي: بقاضي القضاة بالديار المصرية. من كتبه: فتح البديع الوهاب شرح التفريغ لابن الجلاب -فقه مالك، فتح الجليل -شرح به مختصر خليل في الفقه شرحًا مطولًا، وجواهر الدرر -في شرحه أيضًا، وتنوير المقالة -في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني -فقه، وخطط السداد والرشد بشرح نظم مقدمة ابن رشد -فقه. انظر: الأعلام للزركلي (٥/ ٣٠٢).
(٥) سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon