المجاز إلَّا بتوقيف عن رسول الله - ﷺ - أو حجة قاطعة، ونحو: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾، ثم يبتدئ: ﴿بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ﴾، وجعل الباء حرف قسم، ونحو: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾، ثم يبتدئ: ﴿إِن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)﴾، وذلك خطأ؛ لأن باء القسم لا يحذف معها الفعل، بل متى ما ذكرت الباء تعين الإتيان بالفعل كقوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ يحلفون بالله، ولا تجد الباء مع حذف الفعل، ونحو: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ﴾، ثم يبتدئ: ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا﴾ وليس بشيء؛ لأنَّ الجواب بعده، و (ثَم) ظرف لا يتصرف فلا يقع فاعلًا ولا مفعولًا، وغلط من أعربه مفعولًا لرأيت، أو جعل الجواب محذوفًا، والتقدير: إذا رأيت الجنة رأيت فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ونحو: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ﴾، ثم يبتدئ:
﴿عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ بنصب (علم) على إسقاط حرف القسم وبقاء عمله وهو ضعيف، وذلك من خصائص الجلالة فلا يشركها فيه غيرها عند البصريين، وجواب القسم ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ أي: والله لترون الجحيم كقول امرئ القيس:

فَقَالَتْ يَمِينُ اللهِ مَا لَكَ حِيلَةً وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الْغِوَايَةَ تَنْجَلِي (١)
فهذا كله تعنت وتعسف لا فائدة فيه، فينبغي تجنبه وتحريه؛ لأنه محض تقليد، وعلم العقل لا يعمل به إلَّا إذا وافقه نقل، وسقت هذا هنا؛ ليُجتنب فإني رأيت من يدَّعي هذا الفن يقف على تلك الوقوف، فيلقي في أسماع الناس شيئًا لا أصل له، وأنا محذر من تقليده واتباعه، وكذا مثله ممن يتشبه بأهل العلم وهم عنهم بمعزل، اللهم أرنا الحق حقًّا فنتبعه، والباطل باطلًا فنجتنبه.
(١) البيت من معلقة امرؤ القيس، وهو من بحر الطويل. وامرؤ القَيس (١٣٠ - ٨٠ ق. هـ/٤٩٦ - ٥٤٤ م) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، شاعر جاهلي، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد، كان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر، قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت، موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل ينتقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي! ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعرًا كثيرًا، كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار (آباء امرؤ القيس) فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس، فطلبه فابتعد وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن أبي شمر الغسَّاني والي بادية الشام لكي يستعين بالروم على الفرس فسيره الحارث إلى قيصر الروم يوستينيانس في القسطنطينية فوعده وماطله ثم ولاه إمارة فلسطين، فرحل إليها، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، فأقام فيها إلى أن مات.-الموسوعة الشعرية.


الصفحة التالية
Icon