شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَآءِ﴾ هذه الآية متقدمة في النزول على قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِن النَّاسِ﴾. وفي قوله: ﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ﴾ تأويلان: أحدهما: معناه: تحول وجهك نحو السماء، وهذا قول الطبري. والثاني: معناه: تقلب عينيك في النظر إلى السماء، وهذا قول الزجاج. ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلةً تَرضاها﴾ يعني الكعبة كان رسول الله ﷺ يرضاها ويختارها ويسأل [ربه] أن يُحوَّل إليها. واختُلِفَ في سبب اختياره لذلك على قولين: أحدهما: مخالفة اليهود وكراهة لموافقتهم، لأنهم قالوا: تتبع قبلتنا وتخالفنا في ديننا؟ وبه قال مجاهد، وابن زيد. والثاني: أنه اختارها، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم، وبه قال ابن عباس. فإن قيل: أكان رسول الله ﷺ غير راض ببيت المقدس أن يكون له قبلة، حتى قال تعالى له في الكعبة ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكْ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾؟ قيل: لا يجوز أن يكون رسول الله غير راض ببيت المقدس، لَمَّا أمره الله تعالى به، لأن الأنبياء يجب عليهم الرضا بأوامر الله تعالى، لكن معنى ترضاها: أي تحبها وتهواها، وإنما أحبها مع ما ذكرنا من القولين الأولين، لما فيها من تآلف قومه وإسراعهم إلى إجابته، ويحتمل أن يكون قوله: ﴿تَرْضَاهَا﴾ محمولاً على الحقيقة بمعنى: ترضى ما يحدث عنها من التأليف، وسرعة الإجابة، ثم قال تعالى مجيباً لرغبته وآمراً بطَلِبَتِه: ﴿فَولِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي حَوِّلْ وجهك في الصلاة، شطر المسجد الحرام أي: نحو المسجد الحرام، كما قال الهذلي:


الصفحة التالية
Icon