والثالث: أنه لم يكن له ما يأتي به النساء، لأنه كان معه مثل الهْدبة، وهو قول سعيد بن المسيب. قوله عز وجل: ﴿قَالَ: رَبِّ أَنَّى يِكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ وإنما جاز له أن يقول: وقد بلغني الكبر لأنه بمنزلة الطالب له. ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ أي لا تلد. فإن قيل: فَلِمَ راجع بهذا القول بعد أن بُشَّرَ بالولد، ففيه جوابان: أحدهما: أنه راجع ليعلم على أي حال يكون منه الولد، بأن يُرّدّ هو وامرأته إلى حال الشباب، أم على حال الكبر، فقيل له: كذلك الله يفعل ما يشاء، أي على هذه الحال، وهذا قول الحسن. والثاني: أنه قال ذلك استعظاماً لمقدور الله وتعجباً. قوله عز وجل: ﴿قَالَ: رَبِّ اجْعَل لِّيءَايَةً﴾ أي علامة لوقت الحمل ليتعجل السرور به. ﴿قَالَ: ءَايَتُكَ ألاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: تحريك الشفتين وهو قول مجاهد. والثاني: الإشارة، وهو قول قتادة. والثالث: الإيماء، وهو قول الحسن. ﴿وَاذْكُرْ رَّبَّكَ كَثِيراً﴾ لم يمنع من ذكر الله تعالى، وذلك هي الآية. ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِّيِ وَالإِبْكَارِ﴾ والعشي: من حين زوال الشمس إلى أن تغيب، وأصل العشي الظلمة، ولذلك كان العشى ضعف البصر، فَسُمَّي ما بعد الزوال عِشاءً لا تصاله بالظلمة. وأما الإبكار فمن حين طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وأصله التعجيل، لأنه تعجيل الضياء.
{وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين


الصفحة التالية
Icon