والقول الثاني: أنها نزلت في أبي الدرداء حين قتل رجلاً بالشعب فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله، فبدر فضربه ثم وجد في نفسه فأتى رسول الله ﷺ فذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أّلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ) وهذا قول ابن زيد. فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً﴾ يعني وما أّذِنَ الله لمؤمن أن يقتل مؤمناً. ثم قال: ﴿إلاَّ خَطَأ﴾ يعني أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس مما جعله الله له، وهذا من الاستثناء الذي يسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع، ومنه قول جرير:
(من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ | على الأرض إلاّ ريْط بُردٍ مرحّلِ) |
يعني ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد وليس البرد من الأرض.
﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ وفيها قولان: أحدهما: أنها لا يجزىء عتقها في الكفارة إلا أن تكون مؤمنة بالغة قد صلت وصامت، وهذا قول ابن عباس، والشعبي، والحسن، وقتادة، وإبراهيم. والقول الثاني: أن الصغيرة المولودة من أبوين مسلمين تكون مؤمنة تجزىء في الكفارة، وهذا قول عطاء، والشافعي.
﴿وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ في الدية وجهان: أحدهما: أنها مجملة أخذ بيانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنها معهودة تقدم العمل بها ثم توجه الخطاب إليها فجعل الله الرقبة تكفيراً للقاتل في ماله والدية بدلاً من نفس المقتول على عاقلته.
﴿فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أي إن كان قومه كفاراً وهو مؤمن ففي قتله تحرير رقبة مؤمنة وليس فيه ديةُ، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن زيد. قال ابن زيد: لا تؤدى إليهم لأنهم يَتَقوُّونَ بها.