والثالث: أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحق، تشبيهاً بما قد انسدَّ وختم عليه، فلا يدخله خير. والرابع: أنها شهادة من الله تعالى على قلوبهم، بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحقَّ، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه، والغشاوة: تعاميهم عن الحق. وسُمِّي القلب قلباً لتقلُّبِهِ بالخواطر، وقد قيل:

(ما سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ وَالرَّأْيُ يَصْرِفُ، والإنْسَانُ أَطْوَارُ)
والغشاوة: الغطاء الشامل.
﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون﴾ قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ والَّذينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ﴾ يعني المنافقين يخادعون رسول الله ﷺ والمؤمنين، بأن يُظهروا من الإيمان خلاف ما يبطنون من الكفر، لأن أصل الخديعة الإخفاء، ومنه مخدع البيت، الذي يخفى فيه، وجعل الله خداعهم لرسوله خداعاً له، لأنه دعاهم برسالته. ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ﴾ في رجوع وباله عليهم. ﴿وَمَا يَشْعُرُون﴾ يعني وما يفطنون، ومنه سُمِّي الشاعر، لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره، ومنه قولهم ليت شعري.
﴿في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون﴾ قوله تعالى: ﴿في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ فيه ثلاثة تأويلات:


الصفحة التالية
Icon