﴿قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحاً لهم، وليس كما ظنوا، لأن الكفار لو يظفرون بهم، لم يبقوا عليهم، فلذلك قال: ﴿أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾. والثاني: أنهم أنكروا بذلك، أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار، وقالوا إنما نحن مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه. والثالث: معناه أن ممالأتنا الكفار، إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، وهذا قول ابن عباس. والرابع: أنهم أرادوا أن ممالأة الكفار صلاح وهدى، وليست بفساد وهذا قول مجاهد. فإن قيل: فكيف يصح نفاقهم مع مجاهدتهم بهذا القول؛ ففيه جوابان: أحدهما: أنهم عرَّضوا بهذا القول، وكَنُّوا عنه من غير تصريح به. والثاني: أنهم قالوا سراً لمن خلوا بهم من المسلمين، ولم يجهروا به، فبقوا على نفاقهم.
﴿وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون﴾ قوله تعالى: ﴿وإذا قيل لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ يعني أصحاب النبي ﷺ ﴿قَالُوا أَنُؤْمن كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنهم عنوا بالسفهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنهم أرادوا مؤمني أهل الكتاب. والسفهاء جمع سفيه، وأصل السَّفَهِ الخِفَّةُ، مأخوذ من قولهم ثوب سفيه،