والثاني: من الموقنين نبوته وصحة رسالته. قوله عز وجل: ﴿فَلمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيلُ رَءَا كَوْكَباً﴾ قال مجاهد: ذكر لنا أنه رأى الزهرة طلعت عشاءً. ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ ومعنى جَنَّ عليه الليل، أي ستره، ولذلك سمي البستان جَنَة لأن الشجر يسترها، والجِنُّ لاستتارهم عن العيون، والجُنُون لأنه يستر العقل، والجَنِين لأنه مستور في البطن، والمِجَنّ لأنه يستر المتترس، قال الهذلي:
(وماء وردت قيل الكرى | وقد جنه السدف الأدهم) |
وفي قوله تعالى:
﴿هَذَا رَبِّي﴾ خمسة أقاويل: أحدها: أنه قال: هذا ربي في ظني، لأنه في حال تقليب واستدلال. والثاني: أنه قال ذلك اعتقاداً أنه ربه، قاله ابن عباس. والثالث: أنه قال ذلك في حال الطفولية والصغر، لأن أمه ولدته في مغارة حذراً عليه من نمرود، فلما خرج عنه قال هذا القول قبل قيام الحجة عليه، لأنها حال لا يصح فيها كفر ولا إيمان، ولا يجوز أن يكون قال ذلك بعد البلوغ. والرابع: أنه لم يقل ذلك قول معتقد، وإنما قاله على وجه الإِنكار لعبادة