أحدهما: في جنة الخلد التي وعد المتقون، وجاز الخروج منها لأنها لم تجعل ثواباً فيخلد فيها ولا يخرج منها. والثاني: أنها جنة من جنات الدنيا لا تكليف فيها وقد كان مكلفاً. ﴿فَكُلاَ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتَمُا﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: من حيث شئتما من الجنة كلها. والثاني: ما شئتما من الثمار كلها لأن المستثنى بالنهي لمَّا كان ثمراً كان المأمور به ثمراً. ﴿وَلاَ تَقَْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ قد ذكرنا اختلاف الناس فيها على ستة أقاويل: أحدها: أنه البُرّ، قاله ابن عباس. والثاني: الكَرْم، قاله السدي. والثالث: التين، قاله بان جريج. والرابع: شجرة الكافور، قاله علي بن أبي طالب. والخامس: شجرة العلم، قاله الكلبي. والسادس: أنها شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة، قاله ابن جدعان، وحكى محمد بن إسحاق عن أهل الكتابين أنها شجرة الحنظل ولا أعرف لهذا وجهاً. فإذا قيل: فما وجه نهيهما عن ذلك مع كمال معرفتهما؟ قيل: المصلحة في استدامة، المعرفة، والابتلاء بما يجِب فيه الجزاء. قوله عز وجل: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الْشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا... ﴾ أما الوسوسة فهي إخفاء الصوت بالدعاء، يقال وسوس له إذا أوهمه النصيحة، ووسوس إليه إذا ألقى إليه المعنى، وفي ذلك قول رؤبة بن العجاج:
(وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق | سراً وقد أوّن تأوين العقق) |