وكان آدم قد توجه إلى مكة، ليراها ويزور البيت بها عن أمر به، وكان قد عرض الأمانة في حفظ أهله على السموات فأبت، فعرضها على الأرض فأبت، فعرضها على الجبال فأبت، فعرضها على قابيل فقبلها، ثم توجه وعاد فوجد قابيل قد قتل هابيل وشربت الأرض دمه، فبكى ولعن الأرض لشربها دمه، فأنبتت الشوك، ولم تشرب بعده دماً. روى غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني عن علي قال: لما قتل قابيل بن آدم هابيل أخاه بكاه آدم عليه السلام فقال:
(تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عليها | فوَجْهُ الأرْضِ مُغْبَرٌ قبيحٌ) |
(تَغَيَّرَ كلُّ ذِي لَوْنٍ | وقَلَّ بَشَاشَةُ الوَجْهِ المَلِيحْ) |
قال فأجيب آدم:(أبا هابيل قد قُتِلا جَمِيعاً | وصارَ الحَيُّ كالمَيِّتِ الذَّبِيحْ) |
(وجَاءَ بِشَرِّ ما قَدْ كانَ منه | على خَوْفٍ فَجَاءَ بها تَصِيحْ) |
واختلف في قابيل هل كان عند قتل أخيه كافراً أو فاسقاً؟ فقال قوم كان كافراً، وقال آخرون بل كان رجل سوء فاسقاً. قال ابن جريج: لم يزل بنو آدم فى نكاح الأخوات حتى مضي أربعة آباء، فنكح ابنة عمه وذهب نكاح الأخوات. قوله تعالى:
﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ﴾ معناه لئن بدأتني بالقتل لم أبدأك بمثله، وفي امتناعه من دفعه قولان: أحدهما: منعه منه التحرج مع قدرته عليه وجوازه له، وهذا قول ابن عباس، وعبد الله بن عمر. والثاني: أنه لم يكن له الامتناع ممن أراد إذ ذاك، وهذا قول مجاهد والحسن.