وفي معنى الكلام وجهان: أحدهما: أنه خطاب للنبي ﷺ والمراد به غيره من أمته، كما قال تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ﴾ الآية [الطلاق: ١]. والثاني: أنه خطاب ورد على عادة العرب في توليد القبول والتنبيه على أسباب الطاعة. كقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فبرّني، ولعبده إن كنت مملوكي فامتثل أمري، ولا يدل ذلك على شك الولد في أنه ابن أبيه ولا أن العبد شاك في أنه ملك لسيده. ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ أي من الشاكّين. قوله عز وجل: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: إن الذين وجبت عليهم كلمة ربك بالوعيد والغضب لا يؤمنون أبداً. الثاني: إن الذين وقعت كلمته عليهم بنزول العذاب بهم لا يؤمنون أبداً.
﴿فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين﴾ قوله عز وجل: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتُ فَنَفَعَهآ إيمَانُهَا﴾ والمراد بالقرية أهل القرية. ﴿إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ﴾ وهم أهل نينوى من بلاد الموصل فإن يونس عليه السلام وعدهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام، فقالوا: انظروا يونس فإن خرج عنا فوعيده حق، فلما خرج عنهم تحققوه ففزعوا إلى شيخ منهم فقال: توبوا وادعوا وقولوا يا حي حين لاحي، ويا حي يا محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل والدة وولدها، وخرجوا من قريتهم تائبين داعين فكشف الله عنهم العذاب كما قال تعالى: ﴿... كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وفيه وجهان: أحدهما: أنهم تابوا قبل أن يروا العذاب فلذلك قبل توبتهم، ولو رأوه لم يقبلها كما لم يقبل من فرعون إيمانه لما أدركه الغرق. الثاني: أنه تعالى خصهم بقبول التوبة بعد رؤية العذاب، قال قتادة: كشف