الثالث: أن جهنم تتوارى ولا تظهر، فصارت من وراء لأنها لا ترى حكاه ابن الأنباري. الرابع: من ورائه جهنم معناه من بعد هلاكه جهنم، كما قال النابغة:
(حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً
وليس وراءَ الله للمرْءِ مذهب)
أراد: وليس بعد الله مذهب. ﴿ويسقى من ماءٍ صديد﴾ فيه وجهان: أحدهما: من ماء مثل الصديد كما يقال للرجل الشجاع أسد، أي مثل الأسد. الثاني: من ماء كرهته تصد عنه، فيكون الصديد مأخوذاً من الصد. قوله عز وجل: ﴿... ويأتيه الموت مِنْ كل مكان﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره، قاله إبراهيم التيمي، للآلام التي في كل موضع من جسده. الثاني: تأتيه أسباب الموت من كل جهة، عن يمينه وشماله، ومن فوقه وتحته، ومن قدامه وخلفه، قاله ابن عباس. الثالث: تأتيه شدائد الموت من كل مكان، حكاه ابن عيسى. ﴿وما هو بميتٍ﴾ لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه ليكون ذلك زيادة في عذابه. ﴿ومن ورائه عذاب غليظ﴾ فيه الوجوه الأربعة الماضية. والعذاب الغليظ هو الخلود في جهنم.
﴿مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد﴾ قوله عز وجل: ﴿مثل الذين كفروا بربّهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف﴾ وهذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكافر في أنه لا يحصل على شيء منها، بالرماد الذي هو بقية النار الذاهبة لا ينفعه، فإذا اشتدت به الريح العاصف: وهي
الصفحة التالية