مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} قوله عز وجل: ﴿وأنذر النّاس يَوْمَ يأتيهم العذاب﴾ معناه وأنذرهم باليوم الذي يأتيهم فيه العذاب، يعني يوم القيامة. وإنما خصه بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب أيضاً لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعاصي وإن تضمن ترغيباً للمطيع. ﴿فيقول الذين ظلَموا ربّنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرُّسل﴾ طلبوا رجوعاً إلى الدنيا حين ظهر لهم الحق في الآخرة ليستدركوا فارط ذنوبهم، وليست الآخرة دار توبة فتقبل توبتهم، كما ليست بدار تكليف فيستأنف تكليفهم. فأجابهم الله تعالى عن هذا الطلب فقال: ﴿أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: ما لكم من انتقال عن الدنيا إلى الآخرة، قاله مجاهد. الثاني: ما لكم من زوال عن العذاب، قاله الحسن. قوله عز وجل: ﴿وقد مكروا مكرهم﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه عنى بالمكر الشرك، قاله ابن عباس. الثاني: أنه عنى به العتو والتجبّر، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء، قاله علي رضي الله عنه. وقال ابن عباس: هو النمرود بن كنعان بن سنحاريب بن حام بن نوح بنى الصرح في قرية الرس من سواد الكوفة، وجعل طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعاً وصعد منه مع النسور، فلما علم أنه لا سبيل إلى السماء اتخذه حصناً وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه، فأتى الله بنيانه من القواعد، فتداعى الصرح عليهم، فهلكوا جميعاً، فهذا معنى قوله ﴿وقد مكروا مكرهم﴾.


الصفحة التالية
Icon