قوله تعالى: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾ لأن مريم خافت جبريل على نفسها حين دنا فقالت ﴿إِنِّي أَعُوذُ﴾ أي أمتنع ﴿بِالرَّحْمَنِ مِنكَ﴾ فاستغاثت بالله في امتناعها منه. فإن قيل: فلم قالت ﴿إن كُنتَ تَقِيّاً﴾ والتقي مأمون وإنما يستعاذ من غير التقي؟ ففيه وجهان: أحدهما: أن معنى كلامها إن كنت تقياً لله فستمتنع من استعاذتي وتنزجر عني من خوفه، قاله أبو وائل. الثاني: أنه كان اسماً لرجل فاجر من بني إسرائيل مشهور بالعهر يُسَمَّى تقياً فخافت أن يكون الذي جاءها هو ذلك الرجل المسمى تقياً الذي لا يأتي إلا للفاحشة فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قاله بن عباس.
﴿فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا﴾ قوله تعالى: ﴿فَأجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: معناه ألجأها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومنه قول الشاعر:
(إذ شددنا شدة صادقة | فأجأناكم إلى سفح الجبل) |
الثاني: معناه فجأها المخاض كقول زهير:(وجارٍ سارَ معتمداً إلينا | أجاءته المخافة والرجاء.) |
وفي قراءة ابن مسعود
﴿فَأَوَاهَا﴾