الثالث: معناه زد في عمارتنا حتى تبعد فيه أسفارنا، حكاه النقاش. وهذا القول منهم طلباً للزيادة والكثرة. وقرأ بعض القراء ﴿بَعُد﴾ بضم العين وتخفيفها، وهذا القول منهم شكوى لبعد سفرهم وتمني قصره. ﴿وَظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ظلموها بقولهم باعد بين أسفارنا، قاله بن زيد. الثاني: بتكذيب الرسل وهم ثلاثة عشر نبياً. قال الكلبي: أنهم قالوا لرسلهم حين ابتلوا وهم مكذبون: وقد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض. الثالث: أنهم ظلموا أنفسهم بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين، قاله الحسن. ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ أي يتحدث الناس بما كانوا فيه من نعيم وما صارواْ إليه من هلاك، حتى ضرب المثل فقيل: تفرقوا أيدي سبأ، ومنه قول الشاعر:

(باد قوم عصف الدهر بهم فرقوا عن صرفه أيدي سبأ)
﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنهم فرقوا بالهلاك حتى صاروا تراباً تذروه الرياح، قاله يحيى بن سلام. الثاني: أنهم مزقوا بالتفريق والتباعد، قاله قتادة. حكى الشعبي قال: أما غسان فلحقوا بالشام، وأما خزاعة فحلقوا بمكة، وأما الأوس والخزرج فلحقوا بيثرب يعني المدينة، وأما الأزد فلحقوا بعمان. ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: صبار على البلوى شكور على النعماء. الثاني: صبور على أمر الله شكور في طاعة الله.


الصفحة التالية
Icon