الثاني: أنه دعا لهم بالسلامة، وهو قول الجمهور، لأن التحية بالسلام تقتضي السكون والأمان، قال الشاعر:
(أظلوم إن مصابكم رجلاً | أهدى السلام تحية ظلم) |
فأجابهم إبراهيم عن سلامتهم بمثله:
﴿قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مَنكَرُونَ﴾ لأنه رآهم على غير صورة البشر وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم، فنكرهم وقال
﴿قَوْمٌ مَنكَرُونَ﴾ وفيه وجهان: أحدهما: أي قوم لا يعرفون. الثاني: أي قوم يخافون، يقال أنكرته إذا خفته، قال الشاعر:
(فأنكرتني وما كان الذي نكرت | من الحوادث إلا الشيب والصلعا) |
﴿فَرَاغَ إِلى أَهْلِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: فعدل إلى أهله، قاله الزجاج. الثاني: أنه أخفى ميله إلى أهله.
﴿فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ أما العجل ففي تسميته بذلك وجهان: أحدهما: لأن بني إسرائيل عجلوا بعبادته. الثاني: لأنه عجل في اتباع أمه. قال قتادة: جاءهم بعجل لأن كان عامة مال إبراهيم البقر، واختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم، وجاء به مشوياً، وهو محذوف من الكلام لما فيه من الدليل عليه. فروى عون ابن أبي شداد أن جبريل مسح العجل بجناحه فقام يدرج، حتى لحق بأمه، وأم العجل في الدار.
﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيهِم قَالَ أَلاَ تَأَْكُلُونَ﴾ لأنهم امتنعوا من الأكل لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، فروى مكحول أنهم قالوا لا نأكله إلا بثمن، قال كلوا فإن له ثمناً، قالوا وما ثمنه؟ قال: إذا وضعتم أيديكم أن تقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم أن تقولوا: الحمد لله، قالوا: بهذا اختارك الله يا إبراهيم.