على أنفسهم ولو كان بهم فاقة وحاجة، ومنه قول الشاعر:
(أما الربيع إذا تكون خصاصة | عاش السقيم به وأثرى المقتر) |
وفي إيثارهم وجهان: أحدهما: أنهم آثروا على أنفسهم بما حصل من فيىء وغنيمة حتى قسمت في المهاجرين دونهم، قاله مجاهد، وابن حيان. روي أن النبي ﷺ قسم على المهاجرين ما أفاء الله من النضير ونفل من قريظة على أن يرد المهاجرون على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم فقالت الأنصار بل نقيم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء، فأنزل الله هذه الآية. الثاني: أنهم آثروا المهاجرين بأموالهم وواسوهم بها. روى ابن زيد أن النبي ﷺ قال لهم: (إن إخوانكم تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم) فقالوا: أموالنا بينهم قطائع، فقال: (أو غير ذلك) فقالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ فقال: (هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم التمر) يعني مما صار إليهم من نخيل بني النضير، قالوا نعم يا رسول الله.
﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ فيه ثماينة أقاويل: أحدها: أن هذا الشح هو أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له ولا يقنع، قاله ابن جريج وطاووس. الثاني: أنه منع الزكاة، قاله ابن جبير. الثالث: يعني هوى نفسه، قاله ابن عباس. الرابع: أنه اكتساب الحرام، روى الأسود عن ابن مسعود أن رجلاً أتاه فقال: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال وما ذاك؟ قال سمعت الله عز وجل يقول:
﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ وأنا رجل شحيح لا أكاد أخرج من يدي شيئاً فقال ابن مسعود: ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن،