وسبب نزول هذه الآية ما روى أسباط عن السدي أن عبد الله بن أبي بن سلول كان مع رسول الله ﷺ في غزاة وفيها أعراب يتبعون الناس، وكان ابن أبي يصنع لرسول الله ﷺ في كل يوم طعاماً، فاستقى أعرابي ماء في حوض عمله من أحجار، فجاء رجل من أصحاب ابن أبي بناقة ليسقيها من ذلك الماء فمنعه الأعرابي واقتتلا فشجه الاعرابي، فأتى الرجل إلى عبد الله [بن أبي] ودمه يسيل على وجهه، فحزنه، فنافق عبد الله وقال: ما لهم رد الله أمرهم إلى تبال، وقال لأصحابه: لا تأتوا محمداً بالطعام حتى يتفرق عنه الأعراب، فسمع ذلك زيد بن أرقم وكان حدثاً، فأخبر عمه، فأتى عمه رسول الله ﷺ فحدثه، فبعث إلى ابن أبيّ وكان من أوسم الناس وأحسنهم منطقاً، فأتى رسول الله ﷺ فحلف: والذي بعثك بالحق ما قلت من هذا شيئاً، فصدقه فأنزل الله هذه الآية. ﴿والله يعلم إنك لرسوله﴾ أي إن نافق من نافقك من علم الله بأنك رسوله فلا يضرك. ثم قال: ﴿والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: والله يقسم إن المنافقين لكاذبون في أيمانهم. الثاني: معناه والله يعلم أن المنافقين لكاذبون فيها. ﴿اتخذوا أيمانهم جنة﴾ والجنة: الغطاء المانع من الأذى، ومنه قول الأعشى ميمون.

(إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة من المال سار الذم كل مسير)
وفيه وجهان: أحدهما: من السبي والقتل ليعصموا بها دماءهم وأموالهم، قاله قتادة. الثاني: من الموت ألاَّ يُصلَّى عليهم، فيظهر على جميع المسلمين نفاقهم، وهذا معنى قول السدي. ويحتمل ثالثاً: جنة تدفع عنهم فضيحة النفاق.


الصفحة التالية
Icon