بنفسه منفصل عن المذكور بعده لأنه مبتدأ وخبر إذ هو معطوف على ما تقدم ذكره من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ، إلى قوله: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ والمعطوف يشارك المعطوف عليه فى خبره، ويكون خبر الأول خبر للثانى كقوله: جاءنى زيد وعمرو «معناه: جاءنى زيد وجاءنى عمرو» فكان معنى قوله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أى:
وحرمت عليكم أمهات نسائكم «١».
واستدل الحنفية ومن وافقهم على قولهم هذا وإبرازا لدور الوقف فى الفقه بمجموعة من الأدلة منها:
١ - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تزوج امرأة حرمت عليه أمها دخل بها أو لم يدخل وحرمت عليه بنتها إذا دخل بها» «٢» فهذا نص فى الباب لا يحتمل التأويل، ولأن هذا النكاح- نكاح أم زوجة- يفضى إلى قطع الرحم لأنه إذا طلق بنتها وتزوج بأمها حملها ذلك على الضغينة التى هى سبب القطيعة فيما بينهما وقطع الرحم حرام فما أفضى إلى الحرام يكون حراما.
وقد عضد ابن العربى أدلة الذين استدلوا بالوقف فى ترجيح مذهبهم بأدلة نذكر منها:
١ - إذا كان قوله: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يحتمل الرجوع إلى الربائب أو الربائب والأمهات معا فيرد إلى أقرب مذكور تغليبا للتحريم على التحليل فى الفروج وهكذا هو مقطوع السلف فيها عند تعارض الأدلة بالتحريم والتحليل عليها.
٢ - إذا قيل بأن المراد بالدخول هاهنا النكاح فعلى هذا الربائب والأمهات سواء لكن الإجماع غلب على الربائب باشتراط الوطء فى أمهاتهن لتحريمهن.
٣ - أن كل واحد من الموصوفين قد انقطع عن صاحبه وخرج منه بوصفه فإنه قال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ثم قال بعده: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ فوصف وكرر، وذلك الوصف لا يصح أن يرجع إلى الأمهات، وهو قوله: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فالوصف الذى يتلوه يتبعه ولا يرجع إلى الأول لبعده منه وانقطاعه عنه «٣».
أما القائلون بأن لا تحرم أم الزوجة إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول
(٢) ت: (٣/ ٤١٦) كتاب النكاح- باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها يتزوج ابنتها أم لا؟.
(٣) ابن العربى ١/ ٤٨٦.