قوله عليه السلام: (ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض) يعنى عود الحج إلى الوقت الذى جعله الله له واتفق ذلك فى حجة النبى ﷺ «١».
فالحنفية هنا استفادوا بالوقف فى توسيع معنى الآية.
ويزيد ابن العربى الأمر وضوحا بقوله (أراد لا جدال فى وقته فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فعاد بذلك إلى يومه ووقته وقيل: لا جدال فى موضعه فإن الوقوف بعرفة لكل واحد من الناس كان فى الحمس أو من غيرهم. وكلا القولين صحيح وقد رفع الله تعالى الجدال فى الوجهين بين الخلق فلا يكون إلى القيامة ولهذا قرأه العامة وحده بنصب اللام على التبرئة دون الكلمتين اللتين قبله «٢».
ويؤيدنا فى هذا المعنى المراد ما رواه الطبرى فى تفسيره عن القاسم بن محمد قال:
الجدال فى الحج أن يقول بعضهم الحج اليوم ويقول بعضهم الحج غدا وقال آخرون بل اختلافهم ذلك فى أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم «٣».
فنلاحظ من هذه النصوص أن فقهاء الحنفية وغيرهم فهموا هذا المعنى الفقهى الجديد وإن لم يصرحوا بالوقف على قوله وَلا فُسُوقَ وإن كان ابن العربى ذكر أنها قراءة لبعض القراء فى آخر كلامه كما ذكرنا.
ويؤيدنا فى قولنا بأن كلمة جدال تحمل معنى رفع الخلاف الزمانى والمكانى فى الحج ما رواه البخارى مسنده أن رسول الله ﷺ قال: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» «٤».
فهذا الحديث لم يذكر كلمة الجدال المذكورة فى الآية مما يدل على أن الكلمة لها معنى آخر يضاف إلى المعنى المعروف فى الجدل وهو أن الله اختص برفع هذا الجدال المتعلق بمكان الحج وزمانه.
نخلص من هذا كله أن قراءة وَلا جِدالَ فى حالة الوصل تدخل فى محظورات الحج فيكون المعنى من أراد قبول حجه فلا رفث ولا فسوق ولا جدال.

(١) أحكام الجصاص ١/ ٤٢٢، والحديث رواه أحمد ٥/ ٣٧.
(٢) أحكام ابن العربى ١/ ١٩١.
(٣) تفسير الطبرى ٢/ ١٥٩.
(٤) خ: (٢/ ١٤١) (٢٥) كتاب الحج (٤) باب فضل الحج المبرور.


الصفحة التالية
Icon