أحدهما: أنه قد ثبت أن القيمة مرادة فهو بمنزلته لو نص عليها فلا ينتظم النظير من النعم.
والثانى: أنه لما ثبت أن القيمة مراده انتفى النظير من النعم لاستحالة إرادتهما جميعا فى لفظ لاتفاقنا معكم على أن المراد أحدهما من قيمة أو نظير من النعم، ومتى ثبت أن القيمة مرادة انتفى غيرها «١».
أما فى حالة الوصل فإن القراءة بها تؤيد رأى جمهور الشافعية القائل بأن الجزاء من النعم لأن قوله مِنَ النَّعَمِ صفة للجزاء.
واستدل الجمهور بأن قوله تعالى: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ فبين جنس المثل، ثم قال: يحكم به ذوا عدل منكم وهذا ضمير راجع إلى مثل من النعم لأنه لم يتقدم ذكر لسواه يرجع الضمير عليه.
وأجابوا على قول الحنفية بأنه لو كان الشبه معتبرا لما أوقفه على عدلين فقالوا: إن اعتبار العدلين إنما وجب للنظر فى حال الصيد من صغر وكبر وما لا جنس له مما له جنس وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص «٢».
تعقيب وترجيح:
بعد هذا العرض يتبين لنا أن الحنفية قد رجحت مذهبها على مذهب الجمهور بقراءة الوقف وخاصة أن حرف (أو) الوارد فى الآية يفيد التخيير فإن شاء أهدى وإن شاء قوم له الهدى أو أطعم بدله أو صياما.
وأنا أرى أنه توفيقا بين رأى الحنفية والجمهور بأنه إن كان يوجد نظير من النعم أخذ به وإلا عدل إلى قول الحنفية من باب التخفيف والتيسير على العباد ورفع الحرج.
بقى أن أشير إلى أن العلماء اختلفوا فيمن قتل الصيد ناسيا وبيان آرائهم كالتالى:
١ - ذهب الجمهور إلى أن عليه الجزاء سواء قتله عمدا أو خطأ فعليه الجزاء وجعلوا فائدة تخصيص العمد بالذكر فى نسق التلاوة من قوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ

(١) الجصاص ٢/ ٦٦٢.
(٢) منتهى الإرادات، تحقيق د. عبد الله التركيب ط ١، ١٩٩٩ م، ٢/ ١١٦، القرطبى ٦/ ٢٠٠.


الصفحة التالية
Icon