لم يقتبسوها من العرب، ولا مانع من أن تتفق لغتان أو أكثر فى بعض الألفاظ، وليس ادعاء أمة بأنها لغتها أولى من ادعاء أمة أخرى، ولم يقل أحد ممن فسّر هذه الكلمات فى القرآن بغير العربية، أنها ليست من كلام العرب.
يقول ابن جرير: «إن الذى قالوه من ذلك غير خارج عن معنى ما قلنا، من أجل أنهم لم يقولوا: هذه الأحرف وما أشبهها لم تكن للعرب كلاما، ولا كان ذاك لها منطقا قبل نزول القرآن... وإنما قال بعضهم: حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا، وحرف كذا بلسان العجم معناه كذا، ولم تستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها؟ كما قد وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس وغير ذلك- مما يتعب إحصاؤه، ويمل تعداده، كرهنا إطالة الكتاب بذكره- مما اتفقت فيه الفارسية والعربية باللّفظ والمعنى، ولعل ذلك كذلك فى سائر الألسن التى نجهل منطقها ولا نعرف كلامها» «١».
ثم قال: «وهذا المعنى الذى قلناه فى ذلك هو معنى قول من قال: «فى القرآن من كل لسان» «٢»، عندنا بمعنى- والله أعلم- أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الامم التى تنطق بها... فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن بعض القرآن فارسى لا عربى، وبعضه نبطى لا عربى، وبعضه روميّ لا عربى، وبعضه حبشى لا عربى، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا» «٣».
(٢) روى هذا ابن جرير عن أبي ميسرة قال: «فى القرآن من كل لسان»، المرجع السابق ١/ ١٤ - وأبو ميسرة: هو عمرو بن شرحبيل الهمدانى الثقة المخضرم أبو ميسرة الكوفى- ت ٦٣ هـ (تهذيب التهذيب ٨/ ٤٧).
(٣) المرجع السابق ١/ ١٧ - ١٨