ومن يقف على الأحاديث الواردة في هذه القضيّة يجد هاتين الظاهرتين:
الظاهرة الأولى: لم تتعرض تلك الأحاديث- على كثرتها- إلى بيان ماهيّة الاختلاف في القراءات القرآنية التي جعلت الصحابة رضوان الله عليهم يتخاصمون، ويتحاكمون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
الظاهرة الثانية: لم يثبت من قريب أو بعيد أن النبي عليه الصلاة والسلام بيّن المراد من الأحرف السبعة.
ولعل ذلك يرجع إلى عدّة عوامل أهمها:
أنّ ذلك كان معروفا لدى الصحابة رضوان الله عليهم، فلم يحتاجوا إلى بيانه، لأنهم لو كانوا في حاجة إلى معرفة ذلك لسألوا عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فعدم سؤالهم دليل على عدم خفاء ذلك عليهم.
ولقد اتفق العلماء قديما وحديثا على أنه لا يجوز أن يكون المراد بالأحرف السبعة: هؤلاء القراء السبعة المشهورين، كما يظنّه بعض العوامّ، والكثيرون من الذين لا صلة لهم بعلوم القرآن، لأن هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد وجدوا أثناء نزول القرآن الكريم.
«ولقد تتّبعت أقوال العلماء الواردة في هذه القضية الهامّة في كتابي: «في رحاب القرآن» ج ١/ ٢٣٨ - ٢٦٢. ورتّبت هذه الأقوال ترتيبا زمنيّا، وانتهيت إلى الرأي الآتي:
فقلت: والذي أراه في هذه القضية الهامة، أن المراد من الأحرف السبعة هو:
أن القرآن الكريم نزل بلغة كلّ حيّ من أحياء العرب، وهذا القول هو الذي قال به كلّ من:
١ - «الإمام علي بن أبي طالب» ت ٤٠ هـ رضي الله عنه.
٢ - عبد الله بن عباس ت ٦٨ هـ رضي الله عنهما.
ومن ينعم النظر في هذا القول يجد أنه يندرج تحته العديد من اللهجات العربيّة المشهورة.


الصفحة التالية
Icon