وإِنما سأل زكريا عن الرزق لأنه خاف أن يأتيها - من غير جهته فتبين عنده
أنه من عند اللَّه، وذلك من آيات مريم، قال اللَّه تبارك وتعالى:
(وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) فمن آياتها أنها أول امرأة قُبلت في نذر في المتعبد.
ومنها أن اللَّه أنشأ فيها عيسى - عليه السلام - من كلمة ألقاها إليها، ومنها أن اللَّه عزَّ وجلَّ - غذاها برزق من عنده لم يجْرِهِ على يد عبد من عبيده، وقد قيل في التفسير أنَّها لم تُلْقَمْ ثدياً قط.
ومعنى (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
أي بغير تقتير، و (حساب). إِن شئت فتحت الأَلف وألزمتها جهة الفتح، وإن شئت أملتها إِلى الكسر، لانكسار الحاءِ، وذلك كثير في لغة العرب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨)
(زكريا) - بالمدّ والقصر على ما وصفنا. المعنى عند ذلك دعا زكريا ربَّه، أي عندما صادف منِ أمر مريم، ثئم سأل اللَّه أن يرزقه ذرية طيبة.
و (هنالك) في موضع نصب لأنه ظرف يقع من المكان والأحوال - أحوال الزَّمان.
والمعنى في ذلك المكان من الزمان ومن الحال - دعا زكريا ربه كما تقول من
هنا قلت كذا وكذا، ومن هنالك قلت كذا وكذا أي من ذلك الوجه وتلك
الجهَة، وهذا في غير المكان على المثل جرى. وَكَسْرُ لام (هنالك) وقع لالتقاءِ السَاكنين لأنَّ هنالك إشارة إلى مكان متراخ، أو حال من أحوال الزمان نسبتها إِلى المكان وقال: (طيبة) للفظ ذرية.
و (هنالك) لا يجب أن يعرف في رفع ولا جر لأنه في الإشارة إِلى المكان
بمنزلة الإشارة في هذا وهذاك إِلى سائر الأشياءِ.
فهو مضارع للحروف التي جاءَت لمعنى.