سينهضم وأحمد مغبتهُ، فإذا قلت أمْرأني الطعام فتأويله أنه قد انهضم وحُمدتْ
فإن قال قائل: إنما قيل: (فَإِنْ طبْنَ لكمْ عَنْ شَيءٍ منْه نَفْساً)
فكيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله، وإنما قيل له منه؟
فالجواب في ذلك أن " منه " ههنا للجنس لما قال عزَّ وجلَّ -: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ).
فلم نْؤمر أن نجتنب بعض الأوثان، ولكن المعنى اجتنبوا
الرجس الذي هو وثن.
أي فكلوا الشيءَ الذي هو مهْر.
* * *
وقوله: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
قال بعضهم: السفهاء النساء والصبْيان، وقال بعضهم: السفهاء
اليتامى، والسفهاء يدل على أنَّه لا يعني به النساء وحدهن، لأن النساءَ أكثر ما يستعمل فيهن جمع سفيهة وهو سفائه، ويجوز سفهاء، كما يقال فقيرةٌ
وفقراء.
وقال بعضهُمْ: معناه لا تهبوا للسفهاء أموالكم، وهذا عندي - واللَّه
أعلم - غير جائز. كذلك قالَ أصْحابنا البصْريونَ بل السفيه أحَق بالهبة لتعذُّر الكسب عليه، ولو مُنِعْنَا منَ الهبَة لهم لما جاز أنْ نوَرِّثهمْ، وإِنما معْنَى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)، لا تؤتوا السفهاءَ أمْوالهم، والدليل على ذلك قوله: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)
وقوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
وإِنما قيل أموالكم لأن معناه الشيءَ الذي به قوام أمركم، كما قال
اللَّه: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ)
ولم يكن الرجل منهم يقتل نفسه،