كبائِر مَا نَهاهُم عَنْه بأن أنْظَرهُم وَعَمًرهم وَفَسَح لَهُم ليَتوبُوا، فذلك كَتْبُه الرحمةَ
على نفسه، فأما (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فهو احتجاج على المشركين
الذين دفعوا البعث، فقال عزَّ وجاق: (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
أي: إِلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول قد جمعت هُؤلاءِ إِلى هُؤلاءِ، أي ضممت بينهم في الجَمع.
وقوله: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ).
ذكر الأخفش أن " الذين " بدل من الكاف والميم.
المعنى ليجمعن هؤُلاءِ المشركين الذين خسروا أنفسهم إِلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرون به، والذي عندي أن قوله: (الذين خَسرُوا انفُسَهم).
في موضع رفع على الابتداءِ، وخبره (فهم لا يومنون) لأن " لَيَجْمَعنَّكم " مشتمل على سائر الخلق.
على الذين خسروا أنفسهم وَغَيْرِهم، وهذه اللام في ليجمعنَّكم لام قسم.
فجائز أن يَكون تمامُ الكَلَامِ كَتَبَ ربكُمْ عَلَى نَفْسِه الرحمةَ، ثم استأنف فقال
لَيَجْمَعنَّكم، وكأنَّ المعنى: واللَّه ليجمعنكم، وجائز أن - يكون ليجمعنكم بدلاً من الرحمة مُفَسِّراً لها، لأنه لما قال كتب ربكم على نفسه الرحمة فَسَّر ررحمته بأنه يُمْهلهم إِلى يوم القيامة، ويكون في الِإمهال ما فسرنا آنفاً
* * *
وقوله: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)
هذا أيضاً احتجاج على المشركين لأنهم لم يُنْكِرُوا أنَّ مَا استقر في
الليل والنَّهَارِ لِلَّهِ، أي هو خالقه وَمُدَبِّره، فالذي هو كذلك قادر على إِحياءِ
الموتى، ثم زَادَ في الاحتجاج والبيان فقال عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤)