فإِنك إِذَا كنْتَ رأيتُكَ، وكذلك يَا حَسْرتَنَا، قد علم أن الحسْرَةَ لا تُدْعَى، فوقع التنبيه للمخاطبين.
ومعنى: (فَرطْنَا فِيها) قَدَّمْنَا العَجْزَ.
وقوله: (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أوزَارَهُمْ).
أي يحملون ثِقل ذُنوبهم، وهذا مَثل. جائز أن يكون جُعِل ما ينالهم
من العذاب بمنزلة أثقل ما يُحَمَّل، لأن الثقل قد يستعمل في الوِزْرِ، وفي
الحال، فَتقُول في الحال قد ثقل على خطاب فلان، تأويله قد كَرهتُ خِطَابَه
كراهةً اشْتَدت عَلَيَّ، فتأويل الوزر الثقل من هذه الجهة، واشتقاقه من الوزر، وهو الجَبَل الذي يَعْتَصِم بِه الملك والنبي، أي يُعينُه.
ومنه قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا).
سأل مُوسَى رَبَّه أن يجعل أخاه وزيراً له.
وكذلك قوله تعالى: (ألَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ).
أي بِئس الشّيءُ شيئاً أي يَحْملونه، وقد فسرنا عمل نعم وبئس فيما
مضى من الكتاب، وكذلك (سَاءَ مَثَلاً القوْمُ) أي: مثل القوم.
* * *
وقوله: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)
(لَا يُكَذِّبُونَكَ) ولا يُكْذِبُونك، ومعنى كذَبْتُه قُلت لَه كذبْتَ، ومَعْنى أكذبتُهُ ادعيت أن ما أتى به كذِب، وتفسير قوله: (لَا يُكَذِّبُونَكَ)، أي لا يَقْدِرُونَ أن يقولوا لك فيما أنْباتَ به مِما فِي كُتُبِهُمْ كذبت.
ووجه آخر: إنهم لا يكذبونك بقلوبهم، أي يَعْلَمُون أنك صادق.


الصفحة التالية
Icon