والنفق الطريق النافذ في الأرض، والنافقاءُ ممدود أحَدُ جِحَرَةِ اليَرْبُوع
يَخْرِقُهُ من باطن الأرْض إلى جلدَة الأرض فإِذا بَلَغَ الجلدة أرَقها حتى إن
رابَة دَبِيب رفع برأسه هذا المكان وخرج منه. ومن هذا سُمِّيَ المنافق
منافقاً، لأنه أبطن غير ما أظهر، كالنافقاءِ الذي ظاهرهُ غَيْرُ بَينٍ، وباطنه حَفْر
في الأرْض.
وقوله: (أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ).
والسُّلَّم مشتق من السَّلامَةِ، وهو الشيءُ الذي يسلمك إِلى مصعدك.
المعنى فإِن استطعت هذا فافعل، وليس في القرآن فَافعَل لأنه قد يحذف ما
في الكلام دليل عليه، ومثل ذلك قولك: إن رأيت أن تمضي معنا إلى فلان.
ولا تذكر فافعل.
فأعلمَ اللَّهُ نبيه - ﷺ - أنَّه لا يستطيع أن يأْتي بآية إلا بإِذن اللَّه. وإِعلامه النبي هذا هو إِعْلام الخلق أنهم إنما اقترحوا هم الآيات وأعلم الله جلَّ وعزَّ أنَّه قادر على أن يُنزلَ آية آية، وأنَّه لو أُنزلت الملائكة وكلمهم
الموتى ما كانوا ليُؤمنوا إلا أن يشاء اللَّه.
وقوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى).
فيه غير قوْل، فأحدُها أنه لو شاءَ الله أن يَطْبَعَهُم عَلى الهدى لفعل
ذلك، وقول آخر: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى)
أي: لو شاءَ لأنْزَل عليهم آية تَضْطرهم إِلى الِإيمان كقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤).


الصفحة التالية
Icon