أي صنعهما داود، ومن قرأ (يَقُصُّ الْحَقَّ) فمعناه أن جميع ما أنبأ به وأمر
به فهو من أقاصيص الحق.
* * *
وقوله: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)
معنى مفاتح الغيب، أي عنده الوصلةُ إلى علمِ الغَيْبِ، وكل مَا لاَ يُعْلمَ
إذا اسْتُعلِمَ يقال فيه افتَحْ عَلى.
قوله: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا).
المعنى: أنه يَعْلَمُها سَاقِطَة وثَابتَةً، وأنْتَ تَقُول: مَا يجيئك أحد إلا وأنَا
أعْرِفه، فليس معناه إلا وأنا أعرفه في حال مَجيئه فقط.
ويجوز (وَلَا حَبَّةٍ) ويجوز (وَلَا حَبَّةٌ). فمن رفع فعلى ضربين، جائز أنْ
يكونَ على معنى ما تسقط ورقَةٌ وَلاَ حبة في ظلماتِ الأرضِ ولا رَطب وَلَا
يَابس (إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
و (فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هنا على معنيين يَتَصَرف، ويجوز أن يكون معنى
(فِي كِتَاب مُبين) أن يكون اللَّه أثبت ذلك فى كتاب من قبل أن يُخْلَقَ كما
قال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)، فأعلم أنه قد أثبت ما خلق من قبل خلقه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)
أي يُنيمُكَمْ فيتوَفى نفوسَكم التي بها تميزون كما قال - عزَّ وجلَّ -:
(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا).
ومعنى: (يَبْعَثكُمْ فِيه).


الصفحة التالية
Icon