واحتج الذين قالوا إنَّه قال (هَذَا رَبِّي) على وجه الظن والتفكُر بقوله:
(لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ).
وهذا لا يوجب ذلك. لأن الأنبياءَ تسأل اللَّه أن يثَبتَهَا على الهدى وتعلم
أنه لولا هداية اللَّه ما اهتَدَتْ.
وإبراهيم يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
* * *
وقوله: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا)
أي مَائِلاً إلى الإسلام ميلاً لا رجوع مَعَهُ، والحنف أن يكون في القدم ميل، وهو أن تميل إِبهام القدم إِلى إِبهام القدم، فتقبل هذه القدم على هذِه القَدم، ويكون ذلك خِلْقَةً. والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت فيه.
ومعنى (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) أي جعلت قصدي بعبادتي توحيدي اللَّه
عزَّ وجلَّ.
* * *
وقوله جل وعلا: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠)
المعنى حَاجوه في اللَّه، فقال: (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ).
ومحاجَتهم إِياه كانت - واللَّه أعلم - فيما عبَدوا مع اللَّه عزَّ وجلَّ من
الكواكب والشمس والقمر والأصنام، فقال: (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ).
أي في توحيد اللَّه.
(وَقدْ هَدَانِي).
وقد بين لي ما به اهتديت.
(وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ).
أي هذه الأشياء التي تعبدُونها لا تَضر ولا تنفع، ولا أخافها.
(إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا).