والِإمداد بهم للمسْلِمِينَ مَا كانَ فيه فرْقانَّ بين الحق والباطل، ثم أكد التبينَ في
ذلك فقال عزَّ وجلَّ: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢)
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا)
أي الدنيا منكم، والعدوة شفير الوادي، يقال: عِدْوة، وعُدْوَة
وعدى الوادي مقصور، فالمعنى إِذ أنتم بالعدْوَةِ الدُّنْيَا، أي بشفير الوادى
الذي يلي المدينة.
(وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقصْوَى).
بشفير الوادي الذي يلي مكَةَ.
(وَالركْبُ أسْفَلَ منْكمْ).
الركْبُ: العير التي كان فيها أبو سفيان على شاطئ البحر.
فأعلم اللَّه جلَّ وعزَّ أن نَصْرَ المؤمنين وهم في هذا الموضع فرقان.
قال أبو إِسحاق: قد بيَّنَّا أنه كان رَمْلًا تسوخ فيه الأرْخل، ولم يكونوا على
ماءٍ، وكان المشرِكونَ نَازِلينَ على موْضِع فيه الماءُ، وهم مع ذلك يُحامونَ عن العِيرِ، فهو أشدُّ لِشوْكَتِهِمْ، فجعل اللَّه جلَّ وعزَّ النصرَ في هذه الحال، مع قلة عَدَدِ المسلمين وكَثْرَة عَدَد المشركين وشِدةِ شَوكَتِهِم، فرقَاناً.
ويجوز فىٍ قوله: (وَالركْبُ أسْفَلَ منْكمْ) وجهان:
الوجه أن تنصب (أسْفَلَ)، وعلَيه القراءَة.
ويجَوز أن ترفع (أسْفَلُ) على أنك تريد والركبُ أسْفَلُ
منكم أي أشَد تَسَفُلاً.
ومن نصب أرادَ والركب مكاناً (أسْفَلَ) منكم.