توافَقَتَا حتَى رَأت كُل وَاحِدةٍ الأخْرَى، فَبَصرَ إِبليسُ بالمَلائكَة تنزل من
السّماءِ فنكص على عقبيه.
(وَقَالَ إِنَّي بَرِيءٌ مِنْكمْ).
وذلك أَنه عُنِّفَ لهَرَبِه، فقال:
(إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
ومعنى نكص رجع بِخِزْيٍ.
فإِن قال قائل: كيف يقول إِبليس: (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) وهو كافِر؟
فالجواب في ذلك أنَّه ظن الوقت الذي أُنْظِرَ إِليْه قَدْ حَضر.
* * *
وقوله: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (٥٩)
معناها: لَا يَحْسَبَنَّ من أفلت من هذه الحرب قَدْ سَبَق إِلى الحياة.
والقراءَة الجيدةُ (وَلَا تَحْسَبَنَّ) بالتاءِ على مخاطبة النبي - ﷺ - وتكون " تَحْسَبَنَّ " عاملة في الذين، ويكون (سبقوا) الخبر.
ويجوز فتح السين وكسرها، وقد قرأ بعض القراءِ، ولا يحسَبَنَ الذين
كفروا، بالياء وَوَجهها ضعيف عند أهل العربية إِلا أنَّها جائزة على أن يكون
المعنى، ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، لأنها في حرف ابن مسعود إنهم
سبقوا، فإِذا كانت كذلك فهو بمنزلة قولك: حسبت أن أقوم وحسبت أقومُ على حذف (أن) وتكون أقوم وقام تنوب عن الاسم والخبر
كما أنك إِذا قلت: ظننت لَزَيْد خَيْر مِنْكَ.
فقد نابت الجملةُ عن اسم الظَنِّ وخَبرِه وفيها وجه آخر:
ولا يحسبَنَ قبيلُ المُؤْمِنينَ الَّذِينَ كَفَروا سَبَقُوا.