(وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ).
يعالجن بالسكين ما يأكلْنَ، وقال بعضهم مُتْكَأً، وقالوا واحدته مُتْكَة
وهي الأتْرُجُّ. والقراءة الجيدة (مُتْكَأً) بالهمز، يقال: تِكئَ الرجلُ - يتْكَأُ، تُكَأً، والتكَا أصله من وكَأت، وإنما متكأ مفتعل، وأصله موتكأ مثل مُوتَزن منَ الوزن (١).
(وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ).
إن شئت ضممت التاء، وإن شئت كسرتَ، والكسر الأصل لسكون التاء
والخاء، ومن ضم التاء فلثقل الضمة بعد الكسرة.
وأعتدت لهن الطعام وجعلت في أيديهن السكاكين، وأمرته بالخروج عليهن في هيئته، ولم يكن يتهيأ له أن لا يخرج؛ لأنه بمنزلة العبد لها.
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ).
أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فَدَهِشْنَ لَمَّا رأينَه فَخَدشْنَ
أيديَهُن.
ولم يقطعن الأيدي حتى تَبيَن منهنَّ.
وهذا مسْتعمل فى الكلام.
يقول الرجل: قد لطعت يدِي. يعني أنك قد خدشتها.
ومعنى (أَكْبَرْنَهُ) أعظمنه.
ويقال: (أَكْبَرْنَهُ) حِضْنَ.
وقد رُوِيتْ عن مجاهد.
وليس ذلك بمعروف في اللغة.
وقد أنشدوا بيتاً في هذا وهو قوله:
يَأْتي النساءَ على أَطْهارِهِنّ ولا... يَأْتي النساءَ إِذا أَكْبَرْنَ إِكْباراً

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿مُتَّكَئاً﴾ العامَّةُ على ضم الميم وتشديدِ التاءِ وفَتْحِ الكاف والهمز، وهو مفعولٌ به بأَعْتَدَتْ، أي: هَيَّأَتْ وأَحْضَرَتْ. والمتَّكأ الشيءُ الذي يُتَّكَأُ عليه من وسادةٍ ونحوها. وقيل: المتكأ: مكان الاتِّكاء. وقيل: طعام يُحَزُّ حَزَّاً وهو قول مجاهد. قال القتبيُّ:» يُقال: اتَّكَأْنا عند فلانٍ، أي: أَكَلْنا «.
قال الزمخشري:»
مِنْ قولك: اتَّكَأْنا عند فلان: طَعِمنا، على سبيل الكناية؛ لأنه مِنْ «دَعَوْتَه ليَطْعَمَ عندك»: اتخذتَ له تُكَأَة يتكِىء عليها. قال جميل:
٢٧٧١ فَظَلِلْنا بنعمةٍ واتَّكَأْنا... وشَرِبْنا الحَلالَ مِنْ قُلَلِهْ «
انتهى. قلت: فقوله:»
وشَرِبْنا «مُرَشِّح لمعنى اتَّكَأْنا بأكلنا.
وقرأ أبو جعفر والزهري»
مُتَّكَا «مشدد التاء دون همزٍ وفيه وجهان، أحدهما: أن يكونَ أصلُه مُتَّكأ كقراءة العامَّة وإنما خُفِّفَ همزُه كقولهم تَوَضَّيْتُ في تَوَضَّأْتُ، فصار بزنة مُتَّقَى. والثاني: أن يكونَ مُفْتَعَلاً مِنْ أَوْكَيْتُ القِرْبة إذا شَدَدْتَ فاها بالوِكاء، فالمعنى: أَعْتَدَتْ شيئاً يَشْتَدِدْن عليه: إمَّا بالاتِّكاء وإمَّا بالقطع بالسكين، وهذا الثاني تخريج أبي الفتح.
وقرأ الحسن وابن هرمز»
مُتَّكاءً «بالتشديد والمدِّ، وهي كقراءةِ العامَّة إلا أنه أشبع الفتحة فتولَّد منها ألفٌ كقوله:
٢٧٧٢........................... ومِنْ ذَمِّ الرجالِ بمنتزاحِ
وقوله:
٢٧٧٣ يَنْباع مِنْ ذفرى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ............................
وقوله:
٢٧٧٤ أَعوذُ باللَّه مِنَ العَقْرابِ... الشَّائِلاتِ عُقَدَ الأَذْنابِ
أي: بمنتزح ويَنْبَع والعقرب الشائلة.
وقرأ ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة/ والضحاك والجحدري وأبان بن تغلب»
مُتْكَاً «بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وكذلك قرأ ابن هرمز وعبد اللَّه ومعاذ، إلا أنهما فتحا الميم. والمُتْكُ بالضم والفتح الأُتْرُجُّ، ويقال الأُتْرُنْجُ لغتان، وأنشدوا:
٢٧٧٥ فَأَهْدَتْ مُتْكَةً لبني أبيها... تَخُبُّ بها العَثَمْثَمَةُ الوَقاحُ
وقيل: بل هو اسم لجميع ما يُقطع بالسكين كالأُتْرُجِّ وغيره من الفواكه، ونشدوا:
٢٧٧٦ نَشْرَبُ الإِثمَ بالصُّواعِ جِهاراً... وترى المُتْكَ بيننا مُسْتعارا
قيل: وهو مِنْ مَتَك بمعنى بَتَك الشيءَ، أي: قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكونَ الميم بدلاً من الباء وهو بدل مُطَّرد في لغة قومٍ، واحتُمِل أن يكونَ من مادةٍ أخرى وافَقَتْ هذه. وقيل: بالضم العسلُ الخالص عند الخليل، والأُتْرُجُّ عند الأصمعي. ونقل أبو عمرو فيه اللغات الثلاث، أعني ضمَّ الميمِ وفتحَها وكسرَها قال: وهو الشرابُ الخالص.
وقال المفضل: هو بالضم المائدة، أو الخمر في لغة كِنْدة.
وقوله: ﴿لَهُنَّ مُتَّكَئاً﴾: إمَّا أَنْ يريدَ كل واحدةٍ مُتَّكَأً، ويَدُلُّ له قوله: ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً﴾، وإمَّا أن يريدَ الجنس.
اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon