وقوله: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠)
مَوضع " مَنْ " رَفْع بسواء، وكذلك (مَنْ) الثانية يرتفعان جميعاً بسواء، لأن
سواء يطلب اثنين، تقول: سواء زيد وعمرو، في مَعْنى ذَوَا سَواء زيد وعمرو.
لأن سواء مصدر فلا يجوز أن يرتفع ما بعده إلَّا على الحذف، تقول: عدل
زيد وعمرو، والمعنى ذوا عدل زيد وعمرو لأن المصادر ليست بأسماء
الفاعلين، وإنما ترفع الأسماءُ أوْصَافَها، فإذا رفعتها المصادر فهي على
الحذف كما قالت الخنساء:
تَرْتَعُ ما غَفَلَتْ حتى إِذا ادَّكَرَتْ... فإِنما هي إِقْبالٌ وإِدْبارُ
المعنى فإنما هي ذات إقبال وذات إدبار، وكذلك زيد إقبال وإدبار.
وهذا مما كثر استعماله أعني سواء، فجرى مجرى أسماء الفاعلين، ويجوز أن
يرتفع على أن يكون في موضع مُسْتَوٍ، إلا أن سيبويه يستقبح ذلك، لا يجيز
مُسْتَوٍ زيد وعمرو، لأن أسماء الفاعلين عنده إذا كانت نكرة لا يُبْتَدَأ بها لضَعْفها عن الفِعْل فلا يُبْتَدأ بها، وُيجْرِيها مَجْرَى الفعلِ.
ومعنى الآية إعلامهُم أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يعلمُ ما غاب عنهم وما شُهِدَ.
فقال عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ).
أي من هو مستتر بالليل، والليل أسْتَر مِنَ النهار
وَمَنْ هُوَ سَارِبٌ بِالنَّهَارِ.
أي من هو ظاهر بِالنَّهَارِ في سَرَبِه، يقال: خَلِّ لَهُ سَرَبَه أي طريقه،