وقوله: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)
أي رددنا لكم الدولة.
(وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).
أي جعلناكم أكثر منهم نُصَّاراً، ويجوز أن يكون نفيراً جمع نَفْرٍ كما
يقال: العبيد والكليب والضّئين والمعيز.
و (نَفِيرًا) منصوب على التَمييز.
* * *
وقوله: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ).
وتقرأ (لِيَسُوءَ وجُوهَكُمْ) (١)
المعنى فإن جاء وعد الآخرة ليسوء الوعدُ وجُوهَكم.
ومن قرأ (لِيَسُوءُوا) فالمعنى ليسوء هؤلاء القومُ وجوهكم.
وقد قرئت (لَنَسُوءً وُجُوهَكُمْ) - بالنون الخفيفة - ومعناه لَيَسُوء الوعدُ وجوهَكم، والوقف عليها لَيُسُوءًا. والأجود ليسوءَ بغير نونٍ، وليسُوءُوا. ويجوز: لِيَسُوءْ وجوهكم، ويكون الفعل للوَعْدِ على الأمر، ولا تقرأ به، ويجوز لِنَسوءَ بالنون في موضع الياء.
وقوله: (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).
معناه ليُدَمِّرُوا، ويقال لكل شيء منكسر من الزُّجَاجِ والحديد والذَّهَبِ
تِبْرٌ، ومعنى (مَا عَلَوْا) أي ليُدَمِّرُوا في حَالِ عُلُوِّهِمْ عليكم.
* * *
وقوله: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)
(وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)
معناه حَبْساً، أخِذَ من قوله: حصرتُ الرَّجُلَ إذَا حَبَستُه فهو محصور
وهذا حَصِيرُهُ أي مَحْبِسُهُ، والحصير المنسوج إنما سميَ حصيراً لأنه حصرت
وقوله: ﴿لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ متعلقٌ بهذا الجوابِ المقدرِ. وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر «لِيَسُوْءَ» بالياءِ المفتوحةِ وهمزةٍ مفتوحةٍ آخرَ الفعل. والفاعلُ: إمَّا اللهُ تعالى، وإمَّا الوعدُ، وإمَّا البعثُ، وإمَّا النفيرُ. والكسائيُّ «لِنَسُوءَ» بنونِ العظمة، أي: لِنَسُوءَ نحن، وهو موافِقٌ لِما قبلَه مِنْ قولِه «بَعَثْنا عباداً لنا» و «رَدَدْنا» و «أَمْدَدْنا»، وما بعده من قوله: «عُدْنا» و «جَعَلْنا».
وقرأ الباقون: «لِيَسُوْءُوا» مسنداً إلى ضميرِ الجمع العائد على العِباد، أو على النفير؛ لأنه اسمُ جمعٍ، وهو موافِقٌ لِما بعدَه من قوله ﴿وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ﴾. وفي عَوْدِ الضمير على النفير نظرٌ؛ لأنَّ النفيرَ المذكورَ من المخاطبين، فكيف يُوصف ذلك النفيرُ بأنه يَسُوْء وجوهَهم؟ اللهم إلا أنْ يريدَ هذا القائلَ أنه عائدٌ على لفظِه دون معناه، من بابِ «عندي درهمٌ ونصفُه».
وقرأ أُبَيٌّ «لِنَسُوْءَنْ» بلامِ الأمرِ ونونِ التوكيدِ الخفيفة ونونِ العظمة، وهذا جوابٌ ل «إذا»، ولكن على حَذْفِ الفاء، أي «فَلِنَسُوْءَنْ، ودخلت لامُ الأمرِ على فعلِ المتكلمِ كقولِه تعالى: ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢].
وقرأ عليُّ بنُ أبي طالب» لَيَسُوْءَنَّ «و» وَلَنَسوْءَنَّ «بالياء أو النون التي للعظمةِ، ونونِ التوكيدِ الشديدة، واللامِ التي للقسَمِ. وفي مصحف اُبَيّ» لِيَسُوْءُ «بضمِّ الهمزة من غيرِ واوٍ، وهذه القراءةُ تشبه أَنْ تكونَ على لغةِ مَنْ يَجْتَزِئُ عن الواوِ بالضمة، كقوله:
٣٠٣١ - فلوْ أنَّ الأطبَّا كانُ حولي..........................
يريد:» كانوا «. وقولِ الآخر:
٣٠٣٢ - إذا ما الناسُ جاعُ وأَجْدَبُوا...........................
يريد» جاعُوا «، فكذا هذه القراءةُ، أي: لِيَسُوْءُوا، كما في القراءةِ الشهيرة، فَحَذَفَ الوَاو.
وقرئ» لِيَسْيء «بضمِّ الياءِ وكسرِ السينِ وياءٍ بعدها، أي: ليُقَبِّحَ اللهُ وجوهكم، أو ليقبِّح الوعدُ، أو البعثُ. وفي مصحفِ أنس» وَجْهَكم «بالإِفرادِ كقوله:
٣٠٣٣ - كُلوا في بعضِ بطنِكُمُ تَعِفُّوا.....................
[وكقوله:]
٣٠٣٤ -........................... في حَلْقِكم عَظْمٌ وقد شَجِيْنا
[وكقوله:]
٣٠٣٥ -..................................... وأمَّا جِلْدُها فَصَلِيْبُ.
اهـ (الدر المصون).