الاستثناء - وهو استثناء ليس من الأول.
ولا يقدر أحد أن يعرف معنى الكلام غيرَ هذا.
(فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ).
فيه ثلاثة أوجه، يجوز أن يكون معناه: خرج عن أمْر رَبِّهِ، يقال: فسقت
الرطبة إذا خرجت عن قِشْرهَا، وقال قطرب: يجوز أن يكون معناه فسق عن رَدِّ أمْرِ رَبِّه، ومذهب سيبويه والخليل وهو الحق عندنا أن معنى (فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أتاه الفسق لما أمِرَ فعصى، فكان سبَبَ فسقِه أمْرُ رَبِّه، كما تقول أطعمه عن جوع وكساه عن عُرْي.
المعنى كان سَبَبَ فسقه الأمْر بالسُّجودِ لَما كان سببَ
الِإطعام الجوعُ، وسبب الكُسْوة العُرْى.
وقوله: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا).
معناه أنه بئس ما استبدل به الظالمون من رب العزة جلَّ وعزَّ، إبليس.
* * *
وقولُه: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (٥١)
أي لم يكونوا مَوْجُودين إذ خلقت السَّمَاوَات والأرض.
(وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا).
ويقرأ (وَمَا كُنْتَ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) - بفتح التاء - المعنى في فتحها: ما
كنتَ يا محمدُ لتتخذ الْمُضِلِّينَ أنصاراً، وضم التاء هي القراءة، وعليها
المعنى.
يخبر اللَّه عزَّ وجلَّ بقدرته، وأنه لا يعتضِدُ فيها ولا في نُصْرتِه
بالْمُضِلِّينَ والاعتضادُ التقوى. وطلب المعونة، يقال: اعتضدت بفلانٍ، معناه استعنتُ به.
و (عَضُدًا) فيه. خمسة أوجه (١)، وجهان منها كثيران جَيِّدان، وهما
وقرأ عيسى «عَضْداً» بفتح العين وسكون الضاد، وهو تخفيفٌ شائعٌ كقولِ تميم: سَبْع ورَجْل في: سَبْع ورَجْل. وقرأ الحسن «عُضْداً» بالضم والسكون: وذلك أنه نَقَل حركةَ الضادِ إلى العينِ بعد سَلْبِ العينِ حركتَها. وعنه أيضاً «عَضَداً» بفتحتين و «عُضُداً» بضمتين. والضحاك «عِضَداً» بكسر العين وفتحِ الضاد. وهذه لغاتٌ في هذا الحرفِ.
والعَضُدُ من الإِنسانِ وغيرِه معروفٌ. ويُعَبَّر به عن العونِ والنصير فيقال: فلان عَضُدي. ومنه ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [القصص: ٣٥] أي: سنُقَوِّي نُصْرَتَك ومعونَتك. اهـ (الدُّرُّ المصُون).