أنزَلُوهُمَا فَقَالَ مُوسَى لو شِئتَ لأخَذْتَ أجرة إقامَتِكَ هذا الحائط، ويقرأ
لتخذت عليه أجراً، يقال تَخِذَ يتْخَذُ في اتَّخَذَ يَتخذُ، وأصل تَخِذْ من أخَذْت
وأصل اتَخَذت ائْتَخذْت (١).
* * *
وقوله: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)
(وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا).
قيل كان الكنز عِلْماً، وقيل كان الكنزِ مالًا، والمعروف في اللغة أن الكَنْزَ
إذَا أفْرِدَ فمعناه المالُ المدْفُونَ والمدَّخَرُ فإذا لم يكن المال قيل: عنده
عِلْمٍ وله كَنْزُ فَهْمٍ، والكنز ههنا بالمال أشبَهُ، لأن العلم لا يكاد يتعدم
إلا بمعلِّمٍ، والمال لا يحتاج أن ينتفع فيه بغيره، وجائز أن يكون الكنْزُ كان
مالاً مكتوباً فيه عِلم، لأنه قد رويَ أنه كان لوحاً مِن ذَهَب عليه مكتوب:
" لا إله إلا الله محمد رسول الله "، فهذا مال وَعِلْم عظيم، هو توحيد اللَّه عزَّ وجلَّ وإعلام أن محمداً مبعوث.
وقوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).
(رَحْمَةً) منصوب على وجْهَيْن:
أحدهما قوله (فَأَرَاد ربُك) وأردْنَا مَا ذَكَرْنَا
رحمةً أي للرحمة، أي فعلنا ذلك رَحْمةً كما تقول:
أنقَذْتكَ من الهلكة رحمة بك.
ويجوز أن يكون (رَحْمَةً) منصوباً على المصدر.
لأن معنى (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا)
رحمهما الله بذلك.
وجميع ما ذكر من قوله: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا).
ومن قوله (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا)، معناه رحمهما اللَّهُ رحمة.
وقوله: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي).
يدل على أنه فعله بوحي الله عزَّ وجلَّ.
وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣)

(١) قال السَّمين:
قوله: «لاتَّحّذْتَ» قرأ ابن كثير وأبو عمرو «لتَخِذْتَ» بفتح التاءِ وكسرِ الخاءِ مِنْ تَخِذَ يَتْخَذُ كتَعِبَ ويتعَبُ. والباقون:: لاتَّخَذْتَ «بهمزةِ الوصلِ وتشديدِ التاءِ وفتحِ الخاءِ مِنَ الاتِّخاذ. واختُلِفَ: هل هما مِن الأَخْذ، والتاءُ بدلٌ من الهمزة، ثم تُحْذَفُ التاءُ الأولى فيُقال: تَخِذَ، كتَقِيَ مِنْ اتَّقَى نحو:
٣١٨٧ -............................ تَقِ اللهَ فينا والكتابَ الذي تَتْلُوْ
أم هما مِنْ تَخِذَ والتاءُ أصيلةٌ، ووزنُهما فَعِل وافْتَعَل؟ قولان تقدَّم تحقيقُهما في هذا الموضوع. والفِعْلُ هنا على القراءتين متعدٍّ لواحدٍ لأنَّه بمعنى الكسب.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon