(حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا
(٩٣)
(حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ)
ويقرأ (بَيْنَ السَّدَّيْنِ). وقيل ما كان مسدوداً
خلقة فهو سُدٌّ، وما كان من عمل الناس فهو سَدٌّ.
وقوله: (وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا).
ويقرأ يُفقَهون، فمعناه لا يكادون يُفْهِمُونَ.
* * *
(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)
وتقرأ بالهمز في يأجوج ومأجوج، ويقرأ بغير همر، وهما اسْمان
أعجَميًانِ لا ينصرفان لأنهما معرفة.
وقال بَعضُ أهل اللغة: من هَمَزَ كأنَّه يجعله من أجَّةِ الحرِّ، ومن قوله
مِلْحٌ أجَاجٌ.
وأجَّةُ الحَر شدتُهُ وتَوَقُدُه.
ومن هذا قولهم أجَّجْتُ النَّارَ ويكون التقدير في يأجُوج يفعُول، وفي مَأجُوج مفعول، وجائز أن يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون " مَاجوج " فاعول، وكذلك ياجوج، وهذا لو كان الاسمانِ عَرَبيينِ لكان هذا اشتقاقهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية.
وقوله: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا).
وَتُقْرأ (خَرَاجاً). فمن قرأ خَرْجاً، فالخَرْجُ الفَيْءُ -، والخَرَاجُ الضرِيبَة
وقيل الجزْيَةُ، والخراج عند النحويين الاسم لما يُخْرَج من الفرائض في الأموال، والخَرْجُ المصْدَرُ (١).
وقوله عزَّ وجلَّ: (عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا).
أي تجعل بيننا وبين يأجُوج ومَاجُوجَ.
(قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
(٩٥)
ويجوز.. ما مكَنَنِي بنونين، أي الذي مكنني فيه رَبِّي خَيرٌ لي مما

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾: قرأ عاصمٌ بالهمزة الساكنة، والباقون بألفٍ صريحة. واخْتُلِف في ذلك فقيل: هما أعجميان. لا اشتقاقَ لهما ومُنعا من الصرف للعلَميَّة والعُجْمة. ويحتمل أَنْ تكونَ الهمزةُ أصلاً والألفُ بدلٌ عنها، أو بالعكسِ؛ لأنَّ العربَ تتلاعب بالأسماءِ الأعجمية. وقيل: بل هما عربيَّان واختلفوا في اشتقاقِهما: فقيل: اشتقاقُهما مِنْ أَجيج النار وهو التهابُها وشِدَّةُ تَوَقُّدِها. وقيل: مِنَ الأَجَّة. وهو الاختلاطُ أو شدةُ الحَرِّ. وقيل: من الأجِّ، وهو سُرْعةُ العَدْوِ. ومنه قوله:
٣١٩٧ -............................ تؤجُّ كما أجَّ الظَّليمُ المُنَفَّرُ
وقيل: من الأُجاجِ، وهو الماءُ المِلْحُ الزُّعاق. ووزنهما يَفْعُوْل ومَفْعُول. وهذا ظاهرٌ على قراءةِ عاصمٍ. وأمَّا قراءةُ الباقين فيُحتمل أن تكونَ الألفُ بدلاً من الهمزة الساكنة، إلا أنَّ فيه أنَّ مِنْ هؤلاءِ مَنْ ليس أصلُه قَلْبَ الهمزةِ الساكنةِ وهم الأكثرُ. ولا ضَيْرَ في ذلك. ويُحتمل أَنْ تكونَ ألفُهما زائدتين، ووزنُهما فاعول مِنْ يَجَّ ومَجَّ.
ويُحتمل أَنْ يكونَ ماجوج مِنْ ماج يموج، أي: اضطرب ومنه المَوْجُ فوزنُه مَفْعول والأصل: مَوْجُوج. قاله أبو حاتم. وفيه نظرٌ من حيث ادِّعاءُ قَلْبِ حَرْفِ العلة وهو ساكنٌ. وشذوذُه كشذوذِ «طائيّ» في النسب إلى طيِّئ. وعلى القولِ بكونِهما عربيين مشتقين فَمَنْعُ صرفِهما للعَلَميَّةِ والتأنيثِ بمعنى القبيلة، كما تقدَّم لك تحقيقهُ في سورة هود. ومثلُ هذا الخلافِ والتعليلِ جارٍ في سورة الأنبياء عليهم السلام. والهمزةُ في يَأْجوج ومَأْجوج لغةُ بني أسد. وقرأ رؤبة وأبوه العجاج «آجوج».
قوله: «خَراجاً» قرأ ابن عامر «خَرْجاً» هنا وفي المؤمنين بسكون الراء، والأخَوان «خراجاً» «فَخَراج» في السورتين بالألف، والباقون كقراءةِ ابن عامر في هذه السورة، والأول في المؤمنين وفي الثاني وهو «فَخَراج» كقراءة الأخوين. فقيل: هما بمعنى واحد كالنَّوْل والنَوال. وقيل: الخراجُ بالألف ما صُرِفَ على الأرضِ من الإِتاوة كلَّ عام، وبغير ألف بمعنى الجُعْل، أي: نُعْطيك مِنْ أموالِنا مرةً واحدة ما تَسْتعين به على ذلك.
قال مكي رحمه الله: «والاختيارُ تَرْكُ الألف؛ لأنهم إنما عَرَضوا عليه أن يُعطوه عَطِيَّة واحدة على بناءه، لا أَنْ يُضْرَبَ ذلك عليهم كلَّ عام. وقيل: الخَرْج ما كان على الرؤوس، والخراج ما كان على الأرض، يقال: أَدَّ خَرْجَ رأسِكَ، وخراجَ أرضِك. قاله ابن الأعرابي. وقيل: الخَرْجُ أخصُّ، والخَراجُ أعَمُّ. قاله ثعلب. وقيل: الخَرْجُ مصدرٌ، والخَراج اسمٌ لِما يُعطى، ثم قد يُطلق على المفعول المصدرُ كالخَلْق بمعنى المخلوق. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon