القراءة سنة لا تخالف. والأجْودُ أرَى، وكذلك تَرَيِن الأجود بغير همز، والتاء علامة التأنيث، والأصل تَرْآيِّن، والياء حركت لالتقاء السَّاكنين. النون الأولى من النون الشديدة والياء.
وكذلك تقول للمرأة اخْشَيِنَّ زيداً (١).
* * *
(فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
معنى (صوماً) صمتاً. يقال نَذَرتُ النًذْرَ أنذِرُهُ وَأنْذُرُه، ونَذِرتُ بالقَوْم أنْذَرُ
إذا علمت بهم فاستعدَدْتَ لهم.
* * *
وقَوله: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا
(٢٧)
أي شيئاً عظيماً، يقال فلانٌ يَفْرِي الفَرِيَّ إذا كان يعمل عملًا يبالغ فيه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)
اختلف في تفسير: " أُخْت هَارُونَ " في هذا الموضع.
رَوْينَا في التفسير أنَّ أهْلَ الكتاب قالوا: كيف تقولون أنتم: مَرَيَمُ أخت
هارون وبينهما ستَّمائةِ سنة، فقيل ذلك لرسول اللَّه - ﷺ - فقال: إنهم كانوا يُسَمون بأسْماء الأنبياء والصالحين، أي فكان أخو مَرْيَمَ يسمَى هارون.
وقيل إنهم عَنوْا بأخت هارون في الصلاح والدين، ويروى أن هارون هذا
الدَّيِّنَ كان رجلاً من قومها صالحاً، وأنه حضر جنازَتَه أربعون ألفاً يسمى كل
واحد منهم هارون.
والذي في هذا عن النبي - ﷺ - بَيِّنٌ.

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ﴾ دخلت» إنْ «الشرطية على» ما «الزائدة للتوكيد، فَأُدْغِمت فيها، وكُتِبَتْ متصلةً. و» تَرَيْنَ «تقدَّم تصريفُه. والعامَّةُ على صريح الياء المكسورة وقرأ أبو عمروٍ في رواية» تَرَئِنَّ «بهمزة مكسورةٍ بدلَ الياء، وكذلك رُوي عنه» لَتَرَؤُنَّ «بإبدالِ الواوِ همزةُ. قال الزمخشري:» هذا مِنْ لغةِ مَنْ يقول: لَبَأْتُ بالحَجِّ وحَلأْتُ السَّوِيْقَ «- يعني بالهمز - وذلك لتآخٍ بين الهمز وحروف اللين». وتجرَّأ ابن خالَوَيْة على أبي عمرو فقال: «هو لحنٌ عند أكثر النحويين».
وقرأ أبو جعفر قارئُ المدينةِ وشيبة وطلحة «تَرَيْنَ» بياءٍ ساكنة ونونٍ خفيفة. قال ابن جني: «وهي شاذَّةٌ». قلت: لأنه كان ينبغي أَنْ يُؤَثِّر الجازمُ، وتُحذفَ نونُ الرفع. كقول الأَفْوه:
٣٢٣١ - إمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ أَزْرَى به... ماسُ زمانٍ ذيٍ انتكاثٍ مَؤُؤْسِ
ولم يؤثِّرْ هنا شُذوذاً. وهذا نظيرُ قولِ الآخر:
٣٢٣٢ - لولا فَوارسُ مِنْ نُعْمٍ وأُسْرَتِهِمْ... يومَ الصُّلَيْفاءِ لم يُوفُوْنَ بالجارِ
فلم يُعْمِلْ «لم»، وأبقى نونَ الرفعِ.
و «من البشر» حالٌ من «أحداً» لأنه لو تأخَّر لكان وصفاً. وقال أبو البقاء: «أو مفعول» يعني أنه متلِّعق بنفسِ الفعل قبله.
قوله: فَقُولِيْ «بين هذا الجوابِ وشرطِه جملةٌ محذوفةٌ، تقديرُه: فإمَّا تَرَيْنَّ من البشر أحداً فسألكِ الكلامَ فَقُولي. وبهذا المقدَّر نَخْلُصُ من إشكالٍ: وهو أنَّ قولَها ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً﴾ / كلامٌ، فيكون ذلك تناقضاً؛ لأنها قد كَلَّمَتْ إنْسِيَّاً بهذا الكلامِ. وجوابُه ما تَقَدَّم: وقيل: المرادُ بقوله» فقُولي «إلى آخره، أنه بالإِشارة. وليس بشيء. بل المعنى: فلن أكلِّمَ اليومَ إنْسِيَّاً بعد هذا الكلامِ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon