(وَبَرًّا) عطف على (مباركاً)، المعنى وجعلني مباركاً وَبَرًّا بِوَالِدَتي.
* * *
(وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
(وَالسَّلَامُ عَلَيَّ) فيه أوجه، فالسلام مصدر سلَّمْتُ سلاماً، ومَعناهُ عموم
العافية والسلامة، والسلام جمع سلامة، والسلام اسم من أسماء الله جل
وعزَّ، وسلام مما ابتُدئ به في النكرة، لأنه اسم يكثر استعماله. تقول سلام
عليك والسلام عليك. وأسماء الأجناس يبتدأ بها، لأن فائدة نكرتِها قريب من فائدة معرفتها. تقول: - لَبيْكَ وخَير بين يَدَيْكَ، وإن شئت قلت: والخير بين يديك، وتقول: السلام عليك أيها النبي، وسلام عليك أيها النبي، إلا أنه لمَّا جَرَى ذكر " سلام " قبل هذا الموضع بغير ألف ولام كان الأحسن أن يُرَدَّ ثانية بالألف واللام، تقول: سلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، هذا قسمٌ حسن، وإن شئت قلت سلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ
(٣٤)
أي ذلك الذي (قال إني عبد اللَّه آتاني الكتاب وجعلنى نبياً) عيسى ابن
مريم لا ما يقول النصارى من أنه ابن اللَّه وأنه إله - جل الله وعز.
وقوله - عزَّ وجلَّ: (قَوْلُ الْحَقِّ) (١).
بالرفع، ويجوز (قَوْلَ الْحَقِّ) بالنصب، فمن رفع فالمعنى هو قول الحق
ومن نصب فالمعنى أقول قولَ الحق الذي فيه يمترون أي يشكون.
* * *
(مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)
(مِنْ وَلَدٍ) في موضع نصب، والمعنى أن يتخذ وَلداً، و (مِنْ) مؤكدة.
تدل على الواحد والجماعة لأن للقَائِلِ أنْ يَقُولَ: ما اتخَذْتُ فَرساً يريد

(١) قال السَّمين:
قوله تعالى: ﴿ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الحق﴾: يجوز أَنْ يكونَ «عيسى» خبراً ل «ذلك»، ويجوز أَنْ يكونَ بدلاً أو عطفَ بيانٍ. و «قولُ الحق» خبره. ويجوز أَنْ يكونَ «قولُ الحق» خبرَ مبتدأ مضمر، أي: هو قولُ: و «ابن مريم» يجوز أَنْ يكونَ نعتاً أو بدلاً أو بياناً أو خبراً ثانياً.
وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر «قولَ الحق» بالنصبِ والباقون بالرفع. فالرفعُ على ما تقدَّم. قال الزمخشري: «وارتفاعُه على أنَّه خبرٌ بعد خبرٍ، أو بدلٌ» قال الشيخ: «وهذا الذي ذكرَه لا يكونُ إلا على المجازِ في قولٍ: وهو أن يُراد به كلمةُ اللهِ؛ لأنَّ اللفظَ لا يكون الذاتَ».
والنصب: يجوز فيه أَنْ يكونَ مصدراً مؤكِّداً لمضمون الجملة كقولِك: «هو عبدُ الله الحقَّ لا الباطِلَ، أي: أقولُ قولَ الحق، فالحقُّ الصدقُ وهو مِنْ إضافةِ الموصوف إلى صفتِه، أي: القول الحق، كقولِه: ﴿وَعْدَ الصدق﴾ [الاحقاف: ١٦]، أي: الوعدَ الصدقَ. ويجوز أن يكونَ منصوباً على المدح، أي: أُريد بالحقِّ البارِيْ تعالى، و» الذي «نعتٌ للقول إنْ أُرِيْدَ به عيسى، وسُمِّي قولاً كما سُمِّي كلمةً لأنه عنها نشأ. وقيل: هو منصوبٌ بإضمار أعني. وقيل: هو منصوبٌ على الحالِ من» عيسى «. ويؤيِّد هذا ما نُقِل عن الكسائي في توجيهِ الرفعِ: أنه صفةٌ لعيسى.
وقرأ الأعمشُ»
قالُ «برفع اللام، وهي قراءةُ ابن مسعودٍ أيضاً. وقرأ الحسن» قُوْلُ «بضم القاف ورفع اللام، وهي مصادر لقال. يقال: قال يَقُولُ قَوْلاً وقالاً وقُوْلاً، كالرَّهْبِ والرَّهَبِ والرُّهْب. وقال أبو البقاء:» والقال: اسمٌ [للمصدرِ] مثل: القيل، وحُكي «قُولُ الحق» بضمِّ القاف مثل «الرُّوْح» وهي لغةٌ فيه «. قلت: الظاهرُ أنَّ هذه مصادرٌ كلُّها، ليس بعضُها اسماً للمصدرِ، كما تقدَّم تقريرُه في الرَّهْب والرَّهَب والرُّهْب.
وقرأ طلحةُ والأعمش»
قالَ الحقُّ «جعل» قال «فعلاً ماضياً، و» الحقُّ «فاعلٌ به، والمرادُ به الباري تعالى. أي: قال اللهُ الحقُّ: إنَّ عيسى هو كلمةُ الله، ويكونُ قولُه ﴿الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ﴾ خبراً لمبتدأ محذوف.
وقرأ علي بن أبي طالب والسُّلَمي وداود بن أبي هند ونافع والكسائي في رواية عنهما»
تَمْتَرون «بتاء الخطاب. والباقون بياءِ الغَيْبة. وتَمْتَرُون تَفْتَعِلُون: إمَّا مِنْ المِرْية وهي الشكُّ، وإمَّا من المِراء وهو الجِدالُ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon