فأعلمته أنه صبي لا يعقل وأن دليلها على ذلك أنه التقم جمرة فدرأت عنه ما
هَمَّ به فِرْعَوْنَ فيه.
* * *
وقوله: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠)
يجوز أن يكون نصب هارون من جهتين:
إحداهما أن يكون (اجْعَلْ) لا يَتَعدى إلى مفعولين فيكون المعنى اجعل هارون أخي وزيري فتنصب " وَزِيرًا " على أنه مفعول ثانٍ.
ويجوز أن يكون هارون بدلاً من قوله " وَزِيرًا "
ويكون المعنى اجعل لي وَزِيرًا من أهلي ثم أبدل هارون من وَزِير.
والقول الأول أجودُ و (أخي) نعت لهارون.
* * *
وقوله: (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)
يقرأ على ضربين:
على مَعْنى اجعل أخي وزيراً، فإنك إن فعلت ذلك
أشْدُدْ به أزْري. " أشْدُدْ " على الإِخْبَارِ عن النفس وأظهرت التضعيف لأنه
جواب الأمر وأشْرِكُه في أمْرِي، فيقرأ على هذا: هارون أخي أشْددْ به أزري
وأشرِكُهُ في أمري بقَطْع ألِفِ أشْدُدْ وضم الألف من وأُشْرِكْهُ.
ومن قرأ هارون أخي اشدد به أزري وأشْرِكه فعلى الدعاء.
المعنى: اللهم أشدد به أزري وأشْرِكْهُ في أمري.
* * *
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (٣٧)
قد بين المرة على ما هي وهي قوله:
(إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٣٩)
لأنه نَجَّاهُ بهذَا من القتل، لأنَّ فرعونَ كَان يَذْبَحُ الأبناءَ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي).
قالوا معناه ولتُغْذَى.
ومعنى أزرِي، يقال آزَرْتُ فُلاناً على فلان إذَا أعنْتَه عَليْه وقوَّيتَه، ومِثلُه:

(١) قال ابن الجوزي:
قوله تعالى: ﴿ولِتُصْنَع على عيني﴾ وقرأ أبو جعفر: «ولْتُصنعْ» بسكون اللام والعين والإِدغام.
قال قتادة: لتُغذى على محبتي وإِرادتي.
قال أبو عبيدة: على ما أُريد وأُحِبّ.
قال ابن الأنباري: هو من قول العرب: غُذي فلان على عيني، أي: على المَحَبَّة مِنّي.
وقال غيره: لتُرَبَّى وتغذى بمرأىً مني، يقال: صنع الرَّجل جاريته: إِذا ربَّاها؛ وصنع فرسه: إِذا داوم على علفه ومراعاته، والمعنى: ولِتُصْنَعَ على عيني، قدَّرنا مشي أختك. اهـ (زاد المسير. ٥/ ٢٨٤).
وقال السَّمين:
قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ قرأ العامَّةُ بكسر اللام وضم التاء وفتحِ النون على البناءِ للمفعول، ونصبِ الفعلِ بإضمار أَنْ بعد لام. وفيه وجهان، أحدهما: أن هذه العلةَ معطوفةٌ على علةٍ مقدرة قبلها. والتقديرُ: ليتلطَّفَ بك ولتُصْنَعَ، أو ليعطفَ عليك وتُرامَ ولتصنعَ. وتلك العلةٌ المقدرةُ متعلقةٌ بقوله: «وألقيتُ» أي: ألقيتُ عليكم المحبة ليَعْطفَ عليك ولتُصْنَعَ. ففي الحقيقة هو متعلقٌ بما قبله من إلقاءِ المحبة.
والثاني: أن هذه اللامَ تتعلقُ بمضمرٍ/ بعدها تقديرُه: ولتُصْنَعَ على عيني فعلتُ ذلك، أو كان كيت وكيت. ومعنى لتُصْنَعَ أي: لتربى ويُحْسَنَ إليك، وأنا مراعِيْكَ ومراقُبكَ كما يراعي الإِنسانُ الشيءَ بعينِه إذا اعتنى به. قاله الزمخشري.
وقرأ الحسن وأبو نهيك «ولِتَصْنَعَ» بفتح التاء. قال ثعلب: «معناه لتكون حركتُك وتصرُّفُك على عينٍ مني. وقال قريباً منه الزمخشري. وقال أبو البقاء:» أي لتفعلَ ما آمُرك بمرأى مني «.
وقرأ أبو جعفر وشَيْبَةُ»
ولْتُصْنَعْ «بسكون اللام والعين وضم التاء وهو أمرٌ معناه: ليُرَبَّ وليُحْسَن إليك. وروي عن أبي جعفر في هذه القراءةِ كسرُ لامِ الأمر. قلت: ويحتمل مع كسرِ اللام أو سكونِها حالةً تسكينِ العين أن تكونَ لامَ كي، وإنم سُكِّنَتْ تشبيهاً بكَتْف وكَبْد، والفعل منصوب. والتسكينُ في العين لأجل الإِدغام لا يُقْرأ في الوصل إلاَّ بالإِدغام فقط. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon