(وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)
لو قيل آيتين لصلح، ولكن لما كان شأنهما واحدا، وكانت الآية فيهما جميعا معناها آية واحدة، وهي ولادة من غير فحل، جاز أن يقول آية.
وقوله: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢)
(أُمَّتُكُمْ) رفع خبر هذه، المعنى أن هذه أمتكم في حال اجتماعها على الحق، فإذا افترقت فليس من خالف الحق داخلا فيها، ويقرأ (أمةٌ واحدةٌ)، على أنه خبر بعد خبر، ومعناه إن هذه أمة واحدة ليست أمماً، ويجوز نصب (أُمَّتَكُمْ) على معنى التوكيد، قيل إن أمتكم كلها أمة واحدة (١).
وقوله: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ)
المعنى أن الله أعلمهم أن أمر الحجة واحد، وأنهم تفرقوا، لأن تقطيعهم أمرهم بينهم تفرقة.
وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤)
كفران: مصدر مثل الغفران والشكران، والعرب تقول:
غفرانك لا كفرانك.
وقوله عز وجل: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥)
قُرئت: حِرمٌ وحَرَامٌ، هاتان أكثر القراءة، وقد قرئت حَرُمَ على قريةٍ، وحَرِم على قريةٍ.
وجاء في التفسير حِرمٌ في معنى حتْمٌ.
وجاء أيضا عن ابن عباس أنه قال:
حَتْم عليهم ألا يرجعوا إلى دنياهم، وجاء عنه وعن قَتادة أنهم لا يرجعون إلى توبة، وعند أهل اللغة حِرْمٌ وحرام في معنى واحد، مثل: حِلٌ وحلالٌ.
وظاهر "حرام عليهم أنهم لا يرجعون"، يحتاج إلى أن يُبَيَّن، ولا أعلم أحداً من أهل اللغة، ولا من أهل التفسير بَيَّنه.

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: العامَّةُ على رفع «أمتكُم» خبراً ل «إنَّ» ونصب «أمةً واحدةً» على الحالِ. وقيل على البدل من «هذه»، فيكونُ قد فُصِلَ بالخبرِ بين البدلِ والمبدلِ منه نحو «إن زيداً قائمٌ أخاك».
وقرأ الحسنُ «أُمَّتَكم» بالنصبِ على البدل من «هذه» أو عطف البيان. وقرأ أيضاً هو وابن أبي إسحاق والأشهبُ العقيلي وأبو حيوة وابن أبي عبلة وهارون عن أبي عمرو «أُمَّتُكم أمَّةٌ واحدةٌ» برفع الثلاثة على أنْ تكونَ «أمتُكم» خبرَ «إنَّ» كما تقدَّم و «أمةٌ واحدةٌ» بدلٌ منها بدلُ نكرةٍ من معرفةٍ، أو تكونَ «أمةٌ واحدةٌ» خبرَ مبتدأ محذوفٍ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon