وتأويل المروَدِ أن يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنفُ.
وجائز أن يُسْتَعْمل ذلك في غير الشيطان، فتقول قد تمرد هذا السيِّئ أي قد
جاوز حَدَّ مثله، وأصله في اللغة امْلِسَاسُ الشيء، من ذلك قولك للِإنسان
أمْرَدَ إذا لم يكن في وَجْهِهِ شَعْر، ويَقَال للصخرة مرداء إذا كانت ملساء.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)
(أَنَّهُ) في موضع رفع.
(فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ)، عطف عليه، وموضعه رفع أيضاً، والفاء الأجود فيها
أن تكون في معنى الجزاء، وجائز كسر إنَّ مع الفاء، ويكون جزاء لا غير.
والتأويل: كُتِب عليه أي على الشيطان إضْلَال متَولِّيه وهدايتُهم إلى
عذاب السعير، وحقيقة " أن " الثانية أنها مكررة مع الأولى على جهة التوكيد، لأن المعنى كُتبَ عليه أنه من تولاه أضله.
* * *
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)
ويقرأ من البَعَثِ بفتح العين، والريب الشك، فأمَّا البَعَثَ بفتحْ العين -
فذكر جميع الكوفيين أن كل ما كان ثانيه حرفاً من حروف الحلق، وكان
مُسكَناً مفتوح الأول جاز فيه فتح المسَكن نحو نَعْل ونَعَل، وشَعْر وشَعَر، ونَهْر ونَهَر، ونَخْل ونَخَل.
فأمَّا البصريون فيزعمونَ أن ما جاء من هذا فيه اللغتان
تُكُلِّمَ به على ما جاءَ.
وما كان لم يسمع لم يَجزْ فيه التحريك نحو وَعْد، لأنك
لا تقول: لك عَلَيَّ وَعَدٌ، أي عَلَيَّ وِعْدَة، ولا في هذا الأمْر وَهَن - في