ذكر الله جل ثناؤه - ما يدل على توحيده من إيلاج الليل في النَّهَارِ
والنهار في الليل، وذكر إنزاله الماء يُنْبِتُ وذكر تسخير الفلك في البحر
وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فدل أنه الواحد الَّذي خلق
الخلق وأتى بما لا يمكن الْبَشَرَ أن يأتوا بمثله، ثم ذكر جهل المشركين في
عِبَادَتِهِمْ الأصنام فقال عزَّ وَجَل:
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١)
أي ما لم يُنْزِلْ بِهِ حُجةً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ.
ثم ضرب لهم مَثَلَ مَا يَعْبُدون، وأنه لا ينفع ولا يضر.
وأما القراءة: (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) لَا غَيرُ
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) فقال هذا واجبٌ ومعناه التنبيه كأنَّه قال: أتَسْمَعُ؟
أنْزَلَ الله من السماء ماء، فكان كذا وكذا، وقال غيره مثل قوله.
قال مجاز هذا الكلام مجاز الخبر كأنه قال: الله ينزل من السماء ماء، فتصبح الأرضِ مخضرةً.
وأنشدوا.
أَلم تَسْأَلِ الرَّبْعَ القَواءَ فَيَنْطِقُ... وهَلْ تُخْبِرَنْكَ اليَوْمَ بَيْداءُ سَمْلَقُ؟
قال الخليل: المعنى فهو مما ينطق، وأما من قرأ مَخْضَرَة فهو على
معنى ذات مَخْضَرة مثل مَبْقَلة ذات بقل، ومَشْبَعة ذات شِبَع، ولا يجوز
مَخَضَرَّة - بفتح الميم وتشديد الراء - لأن مَفْعَلَّة ليس في الكلام ولا معنى له.
* * *
وقوله عزَّ وَجَلَّ: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٦٥)