(والشمْسَ والْقَمَرَ رَأيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).
فكرر رأيتهم توكيداً، المعنى رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقَمَرَ لِي
سَاجِدين فكرر (رأيتهم) لَما طال الكلام.
فأمَّا قوله (سَاجِدِين) فحقيقته فِعْلُ كُلِّ ما يعقل، وجَمعُه وجمعُ
ضميرَه بالواو والنون في الرفع، والياء والنون في النصب والجر.
فإذا وصف غير الناس والملائكة بأنه يعبد ويتكلم فقد دخل في المُمَيزين وصار الِإخْبَارُ عنه كالإخبَارِ عنهم.
فمن ذلك قوله: (قَالَت نَمْلَةٌ يا أنها النمْل ادْخلُوا مَسَاكِنَكُمْ)
وقوله: (بَلْ فَعَلَه كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْألُوهُمْ إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)
وقال: (وَكل في فَلَكٍ يَسْبَحُون).
فَالوَاوُ والنونُ دَخَلَتَا لما وَصَفْنَا مِنْ دخولهم في التمييز، والألف والتاء
والنون لكل مؤنث ولكل مَوَاتٍ لا يَعقل غَيْرِ المميزين، فإذا جَعَلَ اللَّه عزَّ وجل غير المميزة كالمميزَةِ فكذلك تكون أفعالُها والأنْباء عنها.
* * *
وقوله: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
معناه يختارك ويصطفيك، وهو مشتق مِنْ جَبَيْتَ الشَيءَ إذَاحَصَّلْتَه
لنفسِكَ، ومنه جَبَيْتُ الماءَ في الحوض.
وموضع الكاف في قوله " كذَلِكَ "
نصبٌ، المعنى ومثل مارأيتَ تأويلَه، (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)


الصفحة التالية
Icon