وإن أنا يَوْماً غيبتني منيَّتِي... فسيري بسيري في العشيرة والأصْلِ
والجب البئر التي ليست بمطويَّةٍ، وسُمّيتْ جُبًّا من أنها قُطِعَتْ قَطْعاً.
ولم يحدث فيها غير القطع، مِنْ طيٍّ وما أشْبَههَ.
وروَوْا أن اسم الذي أشارَ عَليهم بِألَّا يَقْتلوهُ يَهُوذَا، وَكانَ مِنْ
أَشَدهم.
(يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ).
هذا أكثر القراءة - بالياء - وقرأ الحسن تلتقطه بالتاء، وأجاز ذلك جميع
النحويين، وزعموا أن ذلك إنما جاز لأن بعض السيارة سيَّارةٌ، فكأنَّه قال:
تلتقطه سَيَّارةُ بعض السَّيَّارَةِ.
وأنشدوا:
وتشرق بالقول الذي قد أذعَتَهُ... كما شرِقتْ صدرُ القناة من الدم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)
(مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ).
قرئت على أربعة أوجُهٍ (١)، على إشْمَامِ الميم الضَّمَّ - تأمنُنا، وعلى
الِإدغام وترك الإشمام، (تَأْمَنَّا)، وقرئت (تأمَنُنَا) بنونَين وضمة بينهُمَا.
وقرأ يحيى ابن وَثَّابِ تِيْمَنَّا.
وقراءة يحيى تخالف المصحفَ، وهي في العَرَبيةِ جَائزةٌ
بكسر التاَء في كل ما ماضيه على فَعِلَ نحو أَمِنَ - يا هذا - والإِدغام لأن
الحرفين من جنس واحدٍ

(١) قال السَّمين:
قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْمَنَّا﴾: حالٌ وتقدَّم نظيرُه. وقرأ العامَّة «تأمَنَّا» بالإِخفاء، وهو عبارةٌ عن تضعيفِ الصوت بالحركة والفصل بين النونين، لا أنَّ النونَ تُسَكَّن رَأْساً، فيكون ذلك إخفاءً لا إدغاماً. قال الداني: «وهو قولُ عامَّةِ أئمَّتنا وهو الصوابُ لتأكيد دلالته وصحته في القياس».
وقرأ بعضُهم ذلك بالإِشمام، وهو عبارةٌ عن ضمِّ الشفتين إشارةً إلى حركة الفعل مع الإِدغامِ الصريح كما يشير إليها الواقف، وفيه عُسْرٌ كبير قالوا: وتكون الإِشارة إلى الضمة بعد الإِدغام أو قبل كمالِه، والإِشمامُ يقع بإزاء معانٍ هذا مِنْ جُمْلتها، ومنها إشراب الكسرةِ شيئاً مِن الضم نحو: ﴿قِيلَ﴾ [البقرة: ١١] و ﴿وَغِيضَ﴾ [هود: ٤٤] وبابه، وقد تقدم أولَ البقرة. ومنها إشمامُ أحدِ حرفين شيئاً من الآخر كإشمام الصاد زاياً في ﴿الصراط﴾ [الفاتحة: ٥]: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ﴾ [النساء: ٧٨] وبابهما، وقد تقدم ذلك أيضاً في الفاتحة والنساء. فهذا خَلْطُ حرفٍ بحرف، كما أنَّ ما قبله خَلْطُ حركة بحركة. ومنها الإِشارةُ إلى الضمة في الوقفِ خاصةً، وإنما يراه البصير دونَ الأعمى.
وقرأ أبو جعفر بالإِدغامِ الصريح من غير إشمامٍ. وقرأ الحسن ذلك بالإِظهار مبالغةً في بيان إِعراب الفعل وللمحافظة على حركة الإِعراب. اتفق الجمهورُ على الإِخفاء أو الإِشمام كما تقدم تحقيقه.
وقرأ ابن هرمز «لا تَأْمُنَّا» بضم الميم، نَقَل حركةَ النون الأولى عند إرادةِ إدغامها بعد سَلْب الميمِ حركَتها، وخطُّ المصحف بنون واحدة، ففي قراءة الحسن مخالفة لها.
وقرأ أبو رزين وابن وثاب «لا تِيْمَنَّا» بكسر حرف المضارعة، إلا أنَّ ابنَ وثَّابٍ سَهَّل الهمزةَ. قال الشيخ: «ومجيئُه بعد» مالك «والمعنى يُرْشد إلى أنه نَفْيٌ لا نَهْيٌ وليس كقولهم» ما أَحْسَنَنا «في التعجب؛ لأنه لو أدغم لالتبسَ بالنفي». قلت: وما أبعد هذا عن تَوَهُّم النهي حتى يَنُصَّ عليه. وقوله «لالتبس بالنفي» صحيح.
اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon